تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

علمية كانت فهي شبهات، أو عملية فهي شهوات، ولا تنفك الشبهة الباطنة عن شهوة ظاهرة، فغالبا ما يتلبس أصحاب الشبهات العلمية، لا سيما إن كانوا كفارا أصليين كتابيين أو وثنيين، بشهوات عملية تنحط بهم أحيانا عن دركة البهائم، وما فضائح الكنائس غربية كانت أو شرقية عنا ببعيد، وإن كانت في الأولى أكثر وأظهر، فالكنائس الشرقية لمكان الإسلام الذي يحفظ الديانة ويمقت الدياثة فيصون الحرمات: أقل انحرافا من نظائرها في الغرب النصراني، فتأثرت الكنيسة الشرقية بالإسلام رغما عنها، وإن وقع فيها من الانحرافات الأخلاقية ما وقع، فالمسألة نسبية، فليس من نشأ في دار الكفر كمن نشأ في دار الإسلام ولو كان كافرا، فلا تستوي أرض قد غربت فيها شمس النبوة وأرض أشرقت فيها شمس جميع الرسالات، وإن حجبتها سحب العلمانية والتغريب السوداء، فذلك عارض طارئ، سرعان ما يزول، لتشرق أرض الإسلام من جديد بنور ربها الحميد المجيد، فذلك موعود الصادق الأمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والانحراف يزيد كلما زاد البعد عن منهاج النبوة، فأرض لا تعرف النبوات ابتداء: فيها من الشبهات والشهوات ما ليس في أرض تعرف جنس النبوات ولو مبدلة، وأرض تعرف النبوة المحفوظة فيها من الخير ما ليس في أرض لا تعرف إلا النبوة المبدلة التي صيرها سادتها شركا صريحا فظهرت فيهم آثار ذلك من دعاء غير الله، عز وجل، لما أنزلت الرءوس التي ينتسب إليها أولئك: منزلة الرب، جل وعلا، فخلعت عليها أوصاف التدبير المطلق للكون بالتأثير المستقل في: أعيانه بالإيجاد أو الإعدام، وأحداثه بالرزق والمنع والنفع والضر ....... إلخ، وتلك لسان حال بل مقال كثير من أهل الشرك الظاهر في الدعاء، فأصله شرك باطن في المحبة رغبة والخوف رهبة، وأرض تحكمها النبوة المحفوظة فيها من الخير ما ليس في أرض لا تحكمها النبوة، وإن كانت أعلام الكتاب الهادي فيها منشورة، ولكنه يفتقر إلى حديد ناصر يؤيده، فقد أنزل الحديد إنزال الكتاب، فـ: (قَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ)، فإما أن يحمل على إنزال الحديد المحسوس، وإما أن يحمل على إنزال حكم الجهاد المعقول فالحديد آلته فكنى بالآلة عن الصنعة، فالجهاد من جملة الكلمات الشرعيات التي نزل بها الوحي، فـ: (لَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا)، فذلك جهاد الحجة والبرهان بالكتاب المنزل، و: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)، و: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)، و: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)، فذلك جهاد السيف والسنان بالحديدالمنزل أيضا، فمنزل الكتاب هو منزل السيف ليذب عنه، فلا حق باق إلا بحجة تؤيده وحديد ينصره.

فـ: الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ: فتسلط النفي على النكرة في سياق مؤكد بـ: "من"، فذلك من أبلغ ما يكون في التحدي، فلا يملكون القطمير، وهو من الدقة بمكان، لا يملكونه خلقا لعينه أو تدبيرا لشأنه بنمو أو ذبول، فكيف بما هو أعظم خطرا منه: من أمر هذا العالم بأفلاكه وأجرامه، وأرضه وسماواته، وأحيائه وأمواته، فأمر الحي الحساس والجماد الساكن، إلى الرب الخالق المتصرف في شئون الكون بكلماته النافذة، فلا راد لمشيئته، فقياس الأولى في هذا الموضع قاض ببطلان ربوبيتهم بداهة، فلا يملكون من أمر القطمير شيئا، فذلك أصل، قيس عليه بطلان تصرفهم فيما هو أعظم منه بداهة، فذلك فرع ثابت من باب أولى، وبه ظهر الفرقان المبين بين رب العالمين ومن دونه من الخلق وإن جل شأنهم وعظم خطرهم، فـ: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير