تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فوحدانية ذاته تمنع بداهة وقوع الشركة في وصف الأولية فهو من أخص أوصاف الربوبية، فلا ذات تقارن ذاته، سواء أكانت العالم بأسره، أو وصفا من أوصافه الذاتية فارق ذاته القدسية، فتجسد في أقنوم حادث: حياة كالروح القدس عليه السلام، أو كلمة كالمسيح عليه السلام، فذلك مما يباين بدائه العقول، فمباينة الوصف الذاتي اللازم للذات الموصوفة به، أو تعليق الوصف الذاتي اللازم على المشيئة، فتجوز مباينته للذات الموصوفة به، فيجوز أن يكون الرب جل وعلا حيا إذا شاء! فيجوز في حقه الموت!، كل أولئك من المحال العقلي الذي لا يرد في كتاب منزل، ولا ينطق به نبي مرسل، فالرسل ما جاءوا إلا لتقرير الخبر الصحيح فلا يعارض بداهة العقل الصريح لاتحاد المصدر، فكلٌ من الرب، جل وعلا، قد بدا، فالكتاب قد بدا منه وصفا فهو كلامه، والعقل قد بدا منه خلقا، واتحاد المصدر مئنة من التوافق فلا تعارض بين نقل سمعي وقياس عقلي كما سبقت الإشارة إلى ذلك في مواضع سابقة.

فانتفى التولد من ذاته القدسية سواء أكان المولود المزعوم: عينا كالعالم الحادث فتلك مقالة الفلاسفة، أو وصفا تجسد في أقنوم فباين الذات القدسية، وظل مع ذلك وصفا ثابتا لها!، لا للناسوت أو الذات التي حل فيها فهي الأولى بذلك بداهة، لو صح هذا الفرض ابتداء، فالتولد في كلا القولين: مئنة النقص والحاجة، فلا يفتقر إلى الولادة إلا الحادث المولود، فمآله إلى الفناء من الوجود، فيلد ليحفظ نوعه ويبقى نسله من بعده، فما حاجة الأول الآخر إلى ذلك، وهو الأزلي ابتداء الأبدي انتهاء، بل كل حياة ولو حادثة منه صادرة، فله الحياة الكاملة وصف ذات لازم فهو الحي، وله الإحياء وصف فعل متعد إلى خلقه الحساس المتحرك بالحياة التي خلقها فيه فهو المحيي، فحياته معدن كل الحيوات، فمن آثار وصفها المتعدي كانت هذه الكائنات المبثوثة في الأرض وفي السماوات، فـ: (مَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)، فعليه، على جهة القصر الحقيقي فما سواه سبب في إيصال الرزق فلا يستقل بتقديره وخلقه، عليه رزقها الكوني بغذاء الأجساد النابت من الأرض، وعليه غذائها الشرعي، إن كانت من أهل التكليف، من الإنس والجان، بغذاء الوحي النازل من السماء.

وإذا انتفى تولد وصف منه، فيباينه ليحل أو يتحد بأقنوم حادث، انتفى من باب أولى حلوله بذاته في ذلك الأقنوم الحادث، فذلك في العقل الصريح أقبح، فيطرأ النقص على ذاته وصفاته جميعا بمخالطة الحادث وامتزاجه بذاته، فيحل الواجب في الممكن، والكامل في الناقص، فيطرأ عليه من نقصه ما ينقض بداهة الأصل الأول من أصول التوحيد العلمي الذي أخبرت به الرسل عليهم السلام، وهو: توحيد الذات والصفات، فلم يعد ثم توحيد بل حصل التشريك بالمخالطة والامتزاج، فاكتسب الخالق من وصف المخلوق نقصا، فذلك جفاء في حق الخالق جل وعلا بتشبيهه بخلقه وتعطيله عن وصف كماله الذي انفرد به فلا يخلو التشبيه بالناقص من إبطال وتعطيل لأوصاف الكامل وذلك من المحال الذاتي الذي لا يتصور العقل حقيقته وإن اقترحه فرضا جدليا محضا، واكتسب المخلوق من وصف الخالق، عز وجل، كمالا ليس له بأهل، فوصف الرب الكامل لا يحتمله المربوب الناقص، ولذلك قَبُحَ وصف المخلوق بصفات الجلال من كبرياء وعظمة فلا تلائم محله الضعيف فإن وردت عليه أفسدته كما هي المتكبرين والمتجبرين في كل عصر ومصر سواء برسم الديانة فهو طواغيت الملل، أو برسم السياسة فهم طواغيت الدول، فذلك غلو في حق المخلوق لا ينفك، أيضا، عن تشبيه لصفاته الحادثة بصفات الرب جل وعلا الذي ليس كمثله شيء، وتعطيل للمخلوق عن حقيقة وصفه الذي فطره الرب، تبارك وتعالى، عليه، فيعطل عن وصفه الملائم لذاته الأرضية الحادثة ويدعى له من أوصاف الرب، جل وعلا، الواجبة، ما يقطع ببطلان مقالات الحلول والاتحاد بأنواعها: العامة والخاصة، ففي مقالة الفلاسفة نوع اتحاد لحصول المقارنة بين ذات الرب، جل وعلا، والعالم الحادث، وفي مقالة الاتحادية العامة: اتحاد صريح بكل ذوات العالم وإن سفلت!، وفي مقالة الاتحادية الخاصة كالنصارى ومن سار على طريقتهم في الغلو

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير