تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المقيت في معظم بشري حتى صار محلا ملائما للذات والوصف الرباني!: اتحاد صريح أيضا، ولكنه بمعظم بعينه، وكل ذلك باطل بداهة لمناقضته ضرورات الشرع والعقل والحس القاضية بتفرد الرب، جل وعلا، بوصف الكمال، وامتناع طروء النقص عليه من أي وجه.

وتشبيه المخلوق بالخالق في الوصف الذاتي أو الفعلي: تصريفا أو تشريعا هو سبب الشرك الرئيس كما أشار إلى ذلك ابن تيمية، رحمه الله، في "الاستقامة" بقوله: "وأصل الشرك أن تعدل بالله تعالى مخلوقاته في بعض ما يستحقه وحده فإنه لم يعدل أحد بالله شيئا من المخلوقات في جميع الأمور فمن عبد غيره أو توكل عليه فهو مشرك به كمن عمد إلى كلام الله الذي أنزله وأمر باستماعه فعدل به سماع بعض الأشعار". اهـ

فعدل وصف كلام الخالق، عز وجل، بوصف كلام المخلوق شعرا أو نثرا.

فلا بد أن يعلم ضرورة انفراد الرب، جل وعلا، بمقام الكمال الذاتي والوصفي، وكمال التدبير الكوني، فذلك حد التوحيد العلمي الخبري، ولا بد أن يتأول المكلف هذه الضرورة العقلية القاضية بانفراد الرب، جل وعلا، بمقام الربوبية، لا بد أن يتأولها في أفعاله، فيتوجه إلى الرب، جل وعلا، وحده بأجناس التأله الباطن والظاهر، فـ: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، فذيل بالعلة وهي انفراده، جل وعلا، بالربوبية عقيب المعلول وهو وجوب إفراده، تبارك وتعالى، بالألوهية.

والتاني: في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "وَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إيَّايَ فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي أَوَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إعَادَتِهِ": توحيده في أفعاله التكوينية، فذلك، كما تقدم، مئنة من ربوبيته العامة، والبعث من آثارها فهو محيي العظام وهي رميم، فـ: (ضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ)، ففي الحديث وفي الآية استعمال صحيح لقياس الأولى الصريح فمن خلق ابتداء قادر على الإعادة انتهاء فذلك من البداهة بمكان، فيبعث العباد بكلمة كونية نافذة، ومشيئة ربانية عامة، فـ: (مِنْ آَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ).

ولازم ذلك، كما تقدم، توحيده بأفعال المكلفين، فهو رب العالمين الموصوف بكمال الذات والصفات، فتلك مقدمة، وهو إله العالمين بشرعه الحاكم فتلك نتيجة.

والإيذاء، لا يضر الرب، جل وعلا، فلا تلحقه معرة السب، بخلاف إيذاء نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد عطف عليه عناية بشأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإيذاؤه إيذاء لمن بعثه، فتعظيم الرسول من تعظيم مرسِله، فمن تعرض له بسب أو انتقاص، فقد سب الرب، جل وعلا، وانتقص من قدره، بداهة، ومع ذلك لا يستويان حكما، فساب الرب، جل وعلا، تقبل توبته، ما لم تتكرر فعلته، فتكرارها مئنة من زندقته، وساب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقتل ردة أو حدا، فلا تنفعه التوبة في أحكام الدنيا، وتنفعه في أحكام الآخرة إن كان صادقا لئلا يقع التلاعب في هذا الباب الذي انتهكت حرماته في زماننا، فمعرة السب تلحقه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وليس حيا ليعفو عمن سبه، كما عفا عن بعضهم تأليفا للقلوب، وعفا عن آخرين درءا للمفسدة العظمى بالمفسدة الصغرى لئلا يتحدث الناس أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقتل أصحابه وإن لم يكونوا أصحابه اصطلاحا فليس للناس إلا الظاهر، والمنافق من جملة المؤمنين ظاهرا وإن خالفهم باطنا.

ومن إيذائه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ما ورد في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير