تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قوله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ): فذلك، أيضا، من الإطناب بتكرار الأمر، فأقم وجهك للدين القيم في دار الابتلاء من قبل أن يأتي يوم الجزاء فهو يوم أطنب في وصفه بالجملة: "لا مرد له" فهو من القضاء الكوني النافذ، فلا مرد له فذلك من العموم بتسلط النفي على النكرة فلا راد لقضاء الله، جل وعلا، الكوني النافذ، أيا كان، فـ: (اللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)، وبشبه الجملة: "من الله"، فذلك وجه امتناع الراد له، فهو، كما تقدم، من عند الله، عز وجل، قدرا كونيا نافذا، فـ: "من" لابتداء الغاية، وهي هنا: غاية كونية، فذلك يوم ابتداء غايته من الله، عز وجل، كونا، فإذا شاء أن تزول الدنيا وتقوم الساعة قطع ذكره من الأرض، فلا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله! الله!، ثم جاء الوصف الثالث على جهة الفصل: فـ: يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ: فذلك: (يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ)، وهو ما تقدم بيانه في نفس السورة في قوله تعالى: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ)، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فيكون مجمل التصدع الذي ذيلت به الآية قد ورد بيانه في أكثر من موضع في التنزيل، على ما اطرد في التنزيل من بيان بعضه لبعض، فما أجمل في موضع بُيِّن في آخر، فالخلق في دار الجزاء ينقسمون فأصحاب جنة فازوا وإن كابدوا الآلام في دار الابتلاء، فذلك ثمن السلعة الغالية، وأصحاب نار خسروا وإن عالجوا أجناس النعيم في دار الزوال، فليس لهم إلا ذلك العرض الخسيس الذي يلائم خسة نفوسهم ودنو هممهم وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير