تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، فالنكرة هنا، قد وردت في سياق نفي، فهي، أيضا، مئنة من العموم، وصور الحرج من التنزيل كثيرة، فمن الناس من يصرح بالحرج برسم الكفر والنفاق الذي يستعلن في أعصار الضعف كعصرنا الذي ضاقت فيه صدور كثير من العالمين بالتنزيل أخبارا وأحكاما، فمن ساخر بالغيب الخبري وقادح في الحكم الشرعي، فلم ينل كفار أهل الكتاب من التنزيل كما تواتر في زماننا إلا بعد أن نال منه من ينتسب إلى الإسلام برسم الظاهر، وهو كافر برسم الباطن، فهل تجرأ من تجرأ على حرق الكتاب العزيز وامتهانه بطرائق يستحى من ذكرها إلا بعد أن نزعت هيبته من قلوب أصحابه، فقد لطخه أهل البدعة المغلظة بالعذرة في بلاد الرافدين، وداسته الأقدام في سجون بلاد مسلمة!، فهذا قدره عند من يدعي الانتساب إليه، فعلام العجب من حرق كفار أهل الكتاب له؟!، فما حرق حسا بأيدي الكفرة إلا بعد أن حرق معنى في صدور الفجرة.

وكثير من الدول تتحرج من الانتساب إليه، فتنفي نسبتها الإسلامية، فهي دول علمانية لا دينية، أو مدنية عقدها المواطنة التي تسوي بين المؤمن والكافر من كل وجه: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ)، فالكافر، وإن كان ذميا معصوم الدم والمال، لا ينفك عن إفساد في الأرض، ولو بشؤم كفره بالرحمن، فـ: (لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، فكفر الكافر مانع كوني من نزول البركات الربانية، وذلك نوع إفساد، فكيف يسوي العاقل فضلا عن المؤمن بين: المصلح الذي وحد الرب، جل وعلا، فحمل في قلبه مادة صلاح الكون من إيمان بالتنزيل وتأويل لأخباره تصديقا وأحكامه امتثالا، كيف يسوى بينه وبين: المفسد الذي نال شؤم كفره الشجر والحجر، فـ: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).

وكثير من البشر يتحرجون من الانتساب إلى التنزيل، فهو ورق أصفر قد أحالته المدنية المعاصرة إلى التقاعد فمحله المتحف، كما قال زنديق معاصر، وهو منتج ثقافي لا صلة له بالوحي، فيخضع لمعايير النقد البشري تصحيحا وتضعيفا، كما قال زنديق آخر، وصور الحرج كثيرة، ولذلك حسن إيرادها منكرة في سياق نهي استيفاء لصور الحرج القديمة والحديثة، فلا يخلو زمان من حرج من التنزيل يقل في أعصار العزة، ويزيد في أعصار الذلة.

فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ: فـ: "من": لابتداء الغاية، فابتداء غاية الحرج في صدور الكفار والمنافقين الذين ورد النهي عن سلوك طريقهم، ابتداء غايته من التنزيل، فهو مادة طمأنينة في قلوب المؤمنين، فـ: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، وهو مادة حرج واضطراب في قلوب الكفار والمنافقين فـ: (إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ).

يقول الألوسي رحمه الله:

"لا شك في كفر من يستحسن القانون ويفضله على الشرع ويقول هو أوفق بالحكمة وأصلح للأمة، ويتميز غيظاً ويتقصف غضباً إذا قيل له في أمر: أمر الشرع فيه كذا، كما شاهدنا ذلك في بعض من خذلهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ... فلا ينبغي التوقف في تكفير من يستحسن ما هو بيّن المخالفة للشرع منها، (أي القوانين الوضعية كاستحسان عقوبة جريمة في القانون الجنائي الوضعي على عقوبتها في القانون الجنائي الشرعي)، ويقدمه على الأحكام الشرعية منتقصاً لها". اهـ

والغرض: تحرير الحكم لا تحقيقه في شخص بعينه فذلك أمر يتوقف على بلوغ الحجة على وجه تقوم به وليس ذلك لآحاد المكلفين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير