تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالمشاركة في العلامة الشرعية أعظم في الموافقة بداهة من المشاركة في العلامة الوضعية التي هي في أصلها مشروعة، ولكنها لما صارت علامة يمتاز بها أهل ملة أو نحلة حرم على أهل الإسلام والسنة مشاركتهم فيها لئلا تؤدي المشاركة الظاهرة إلى نوع مودة في الباطن، فلا يشبه الزي الزي حتى يشبه القلب القلب، وتشابه الأزياء الظاهرة ذريعة إلى تشابه الأهواء الباطنة، فالتأثير متبادل، وذلك أمر يعرفه من اعتنى بدراسة سلوك وطرائق البشر، ويحسه ضرورة كل إنسان يوافق غيره في زي أو منطق أو صناعة ..... إلخ، فتجد من التقارب بين أهل الصناعة الواحدة ما لا تجده بين أهل الصناعات المتباينة.

والشاهد أن الزور العملي، أيضا، على حد الزور القولي، فمنه ما يقدح في كمال الإيمان الواجب كالتشبه الذي لا يصل إلى حد التشبه المطلق، ومنه ما يقدح في أصل الإيمان كالتشبه المطلق فهو يوجب الرضا بدينهم، كما أشار إلى ذلك ابن تيمية، رحمه الله، بقوله:

"وهذا الحديث، (أي حديث: "من تشبه بقوم فهو منهم")، أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم، كما في قوله: - {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة، آية 51].

فقد يحمل هذا على التشبيه المطلق، فإنه يوجب الكفر، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك، وقد يحمل على أنه منهم، في القدر المشترك الذي شابههم فيه، فإن كان كفراً، أو معصية أو شعاراً لهم، كان حكمه كذلك. وبكل حال يقتضي تحريم التشبه". اهـ

وعلى كل الأحوال، فكل ما أثر عن السلف في بيان الزور يجري مجرى ما اطرد في التنزيل، كما ذكر ذلك بعض من صنف في أصول التفسير كابن تيمية رحمه الله، يجري مجرى التمثيل للعام بذكر بعض أفراده، فلا يخصص ذكرها عمومه، وإنما هي من قبيل البيان بضرب المثال تقريبا إلى الأذهان.

ثم جاء التذييل بحالهم إذا مروا باللغو وهو الكلام المعيب الذي يدل على سفه قائله وضعف عقله ولا ينفك حال أهل الزور عن ذلك.

فلا يشهدون ابتداء، وإذا مروا: مروا كراما، فذلك من تكرار العامل لبناء الحال عليه، وذلك من محاسن الاستعمال، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، ومثل له بتخريج ابن جني، رحمه الله، لتكرار العامل في قوله تعالى: {رَبَّنَا هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا}.

فلهم في كل أحوالهم من الصيانة ما يحفظ أقدارهم، فلا يخوضون في باطل، وإن مروا به، والمرور مئنة من سرعة التجاوز، فليس لهم عليه وقوف، فذلك ذريعة إلى المشاركة الفعلية أو الموافقة الوجدانية، ولذلك حسن الإعراض ابتداء عن كل ما يقدح في الديانة من قبيل الشبهات، فلا يتصدى لدحضها إلا آحاد الراسخين ممن تؤمن عليهم الفتنة، ولا ينظر فيها غيرهم لئلا يعلق شيء منها بقلوبهم، فشغل النفس بالحق صارف لها عن الباطل، ومباشرتها للمشروع من القول والعمل سد لذريعة خوضها في المحظور، فمن امتلأ بالغذاء الطيب لم تبق له شهوة في غيره.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير