تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

واستبقاء لرياسات زائلة، بعضها برسم السياسة فيهدر لأجلها كل معنى شرعي، وبعضها برسم الديانة، وهي أخطر شأنا، فعلى صاحبها من أوزار من قلده ما عليه لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا، فيهدر علماء السوء أحكام الشرع مداهنة لملوك الجور، فحسن في هذا الزمان، إدراج مثل هذه المسألة النازلة في متون العقائد الفاصلة، فقد ورد التنصيص على أمور دونها من الفروع العملية لما صارت شعارا ظاهرا للمخالف في النحلة، فكيف بمن خالف في أصل الملة، بل جهر بالسوء وبسط إلى أهل الإسلام يده بالعدوان فقد طفح ما في قلبه من حقد وغل على الدين الخاتم، طفح على لسانه طعنا بالشبهات بل بالسب القادح والاستهزاء الصارخ بالدين والنبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وطفح على جوارحه فنال من المؤمنين بخيانة صريحة لا تحتمل تأويلا فهي نص صريح وحقيقة شرعية في النفاق فمظاهرة أعداء الملة على أهلها: نقض لأصل الدين، كما ذكر ذلك من ذكر من المحققين، فينتقض أصل الديانة بالمظاهرة القلبية بتمني ظهور العدو فكيف بالمظاهرة القولية والفعلية على آحاد المؤمنين، لا سيما المستضعفين كما نرى في هذه الأيام في بعض دور المسلمين التي صارت الكلمة فيها لعباد الصلبان، فتسلط المتآمرون من الفريقين المرذولين على المهاجرين والمهاجرات إلى الله ورسوله برسم: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)، فكيف صح في الأذهان مع كل ذلك: تهنئة أهل الزور بل مشاركتهم برسم التسامح، وما هو إلا تخاذل وضعة لأهل الكفر لا تزيدهم إلا غطرسة واستكبارا، فأي زور أعظم من ذلك تهدر فيه الديانة والحرمة والكرامة، وقد جاء النص على جهة التخصيص، أيضا، في هذا الباب الذي غفل كثير منا عن أحكامه، فورد مؤكدا بالناسخ، ومقصورا بتقديم ما حقه التأخير في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إن لكل قوم عيداً، وإن هذا عيدنا"، فحصل التمايز أيضا بإضافة العيد إلى ضمير الجماعة المسلمة في سياق مؤكد بالناسخ وتعريف الجزأين، فهو عيدنا لا عيد غيرنا، فذلك منطوق ثبوتي، مفهومه: وعيد غيرنا ليس بعيدنا فلا تشرع فيه التهنئة أو الاحتفال فهو شعار ديني، فيصلي فيه المسلمون صلاتهم، فهي شعيرة محضة تؤكد البعد الديني الخالص لهذا المنسك، ويردد فيه غيرهم صلواتهم، فلكل أمة شعارها الديني في ذلك اليوم، فالمشاركة فيه أعظم من المشاركة في سمت ظاهر، كما أشار إلى ذلك ابن تيمية، رحمه الله، بقوله:

"إن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي قال الله سبحانه: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا)، وقال: (لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه)، كالقبلة والصلاة والصيام فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به بين الشرائع ومن أظهر ما لها من الشعائر فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة وشروطه.

وأما مبدؤها فأقل أحواله أن تكون معصية وإلى هذا الاختصاص أشار النبي صلى الله عليه و سلم بقوله: (إن لكل قوم عيدا وإن هذا عيدنا)، وهذا أقبح من مشاركتهم في لبس الزنار ونحوه من علاماتهم فإن تلك علامة وضعية ليست من الدين وإنما الغرض منها مجرد التمييز بين المسلم والكافر وأما العيد وتوابعه فإنه من الدين الملعون هو وأهله فالموافقة فيه موافقة فيما يتميزون به من أسباب سخط الله وعقابه". اهـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير