تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من جرم، فتصور اجتماع الوصفين في عين واحدة جائز، لانفكاك الجهة، فجهة الإيمان غير جهة الفسوق، بخلاف من وقع في قول أو فعل يوجب التكفير بضوابطه، فلا يتصور في حقه اجتماع الوصفين لاتحاد الجهة، فلا يكون مؤمنا كافرا في نفس الوقت.

ومن الأقوال ما ينقض أصل الإيمان، ولكن جهة النقض فيه خفية، كبعض صور الاستهزاء الخفية بالدين وأهله، فالعذر بالجهل فيه قائم في كل الدور، فلا يحكم بكفر المعين وإن كان الحكم المطلق على القول أو الفعل بأنه كفر واقعا.

ومن الأفعال أيضا ما ينقض أصل الإيمان فلا اعتبار فيه لعذر بجهل، كامتهان المصحف، فذلك، أيضا، مئنة ظاهرة بل جازمة حال الاختيار، من نقض أصل الإيمان في قلب فاعله.

ومنها ما ينقض أصل الإيمان، ولكن جهة النقض فيه، أيضا، خفية، وإن كانت ظاهرة في أعصار وأمصار أخرى، كصور الغلو في الصالحين نذرا وطوافا بل وسجودا لمشاهدهم وقبورهم، فتلك من صور الشرك الأكبر الظاهرة، ولكنها تخفى في أعصار وأمصار يدرس فيها العلم ويظهر فيها الجهل لا سيما إن اتخذ الناس رءوس ضلالة من علماء السوء الذين يزينون لهم المعصية، أو وقع فيها فاضل متبوع بلا إرادة إضلال لغيره، فتبعه عليها من يجله ويقلده، فتلك من أدق صور خفاء الحق لقوة الشبهة، وهي في أمصار أخرى ظاهرة لا يعذر فاعلها بالجهل لظهور أعلام الهدى والسنة، فاختلف الحكم بالعذر وجودا أو عدما باختلاف الوصف علما أو جهلا، فمع ظهور العلم الضروري الذي تقام به الحجة الرسالية يمتنع العذر بالجهل، ومع خفائه يكون العذر بالجهل، وذلك أمر، عند التدبر والنظر، يختلف في حق الأفراد فما كان معلوما ضروريا لمكلف قد لا يعلمه آخر ابتداء!، مع عدم إرادته الاستكبار والإعراض، فالحجة في حقه غير قائمة، وإن قامت في حق الأول، فإذا جاز تصور ذلك في حق الأفراد المتجاورين، فكيف باختلاف الأعصار والأمصار، لا سيما في الآونة الأخيرة التي خفيت فيها جملة من العلوم والحكم كانت فيما مضى أظهر من شمس الظهيرة، كمسائل تحكيم الوحي فيما شجر، وهي نازلة عامة في أمصار المسلمين، والولاء والبراء فهي نازلة خاصة في قلوب المكلفين، أقعدت كثيرا منهم عن نصرة إخوانهم المستضعفين ولو بتحرير معاقد الولاء والبراء القلبية، بل قد سعى من ينتسب إلى الملة في تسليم أبناء الملة إلى أعداء الملة ليفتنوهم في الملة!، وذلك دليل ظاهر على انتفاء أصل الإيمان من القلب، فهو من نواقض الدين، كما قرر ذلك بعض المحققين، ومع ذلك صارت مسائل كحكم الشرع ونصرة المستضعفين من المؤمنين محل أخذ ورد لخفاء أدلتها!، ولا تخفى شمس الوحي إلا خلف غيم الضلالة العلمية والعملية، فتسود المذاهب الأرضية من شرائع سماوية مبدلة وأنماط فكرية محدثة.

والشاهد أنها شهادة جليلة يشهد بها من يشهد من المؤمنين بقلبه ولسانه وجوارحه، فليست كلمة تلقى بلا تكليف يستغرق حياة المكلف، ويعم باطنه علما وإرادة، وظاهره قولا وفعلا.

وحده لا شريك له: فذلك من التذييل المؤكد للوحدانية الذاتية والوصفية والفعلية لرب البرية، جل وعلا، وما يلزم منها من الوحدانية في العبودية الباطنة والظاهرة، على ما اطرد مرارا من التلازم الوثيق بين فعل الرب، جل وعلا، ربوبية، وفعل العبد ألوهية.

فحصل الاحتراز من التشريك بنفي الشريك نكرة في سياق نفي فذلك مئنة من العموم فلا شريك له في ذاته أو وصفه أو فعله، ولا شريك له في عبوديته فهو المعبود بحق فلا إله معبود بحق سواه، فذلك تقدير الخبر المحذوف، فاحتمل الاسم الجامد المقدر: "حق" ضميرا أبدل منه الاسم الكريم: "الله"، فهو الحق وما يدعون من دونه الباطل، فـ: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ)، فهو الحق مؤكدا بضمير الفصل واسمية الجملة فهي مئنة من الثبوت، والقصر بتعريف الجزأين، فهو قصر إضافي ادعائي مبالغة في تقرير استحقاقه، جل وعلا، لمرتبة الوحدانية في الربوبية والألوهية، وقد يحمل على القصر الحقيقي فالحق مئنة من الثبات، والرب، جل وعلا، هو الأول والآخر، وما دونه محدث فان، فالأولية والآخرية المطلقة ليست إلا للرب، تبارك وتعالى، فهو الأول بذاته

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير