تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأوصاف كماله فلم يكن معطلا عن وصفه الذاتي أو الفعلي بل له على جهة الاختصاص والانفراد: الكمال المطلق أزلا وأبدا، وهو الآخر فليس بعده شيء، فكل باق في دار الجزاء لا يكون إلا بإبقائه، فلا باق بذاته إلا من له الغنى الذاتي اللازم عن الأسباب فلا يفتقر إلى سبب إيجاد أو إمداد، بل الأسباب منه صادرة: وصفا فبكلماته الكونيات تكون الأشياء وتبدع الكائنات على غير مثال سابق، وخلقا فكل سبب مغيب أو مشهود قد خلق بكلماته، فلا يكون شيء في هذا الكون إلا بمشيئته النافذة، وفي المقابل وعلى جهة الطباق إيجابا أو المقابلة اللفظية:

وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ: فذلك مما يزيد المعنى تقريرا فبضد الشيء يظهر وصفه، فما دونه الباطل على جهة القصر الإضافي، أيضا، فحصلت المقابلة الكاملة بين وصف الرب، جل وعلا، المعبود بحق، ووصف غيره من المعبودات فكلها باطلة، ولو كانت أعيانها فاضلة، فهم من عبادتهم براء، فـ: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ)، فليس الطاغوت من عبد من دون الله، عز وجل، مطلقا، وإن كان وصف الطاغوتية في عبادته من دون الله حاصلا، فلا ينفك عن غلو فيه يحدث به الطغيان ومجاوزة الحد، وإنما الطاغوت من عبد من دون الله، عز وجل، وهو راض، وتلك حال ردية يتنزه عنها صفوة الخلق من الملائكة والنبيين، فـ: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).

وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ: فذلك تذييل يقرر وصف الحق إثباتا للإله الواحد، ووصف البطلان للآلهة المتعددة، وهو جار، أيضا، مجرى القصر، ولكنه هنا حقيقي، فالعلو المطلق لا يكون إلا للرب، جل وعلا، فله أجناس العلو الذاتي والوصفي، الشأني والقهري، فمن معاني العلو معان جمال بكمال الذات والأوصاف، ومعان جلال بكمال الجبروت والكبرياء والقهر، فهو الجبار المتكبر القاهر القهار، فناسب تلك المعاني الجليلة التذييل بوصف: "الكبير" فهو، أيضا، من أوصاف الجلال، فله كبر الذات فليس كمثله شيء، وله كبر الوصف فسمعه قد أحاط بكل المسموعات، وسمع غيره قد قصر عن إدراك النجوى والهمس، وعلمه قد أحاط بمكنونات الصدور، وعلم غيره قد وقف على حد الظاهر فلا يعلم السر إلا من خلق الصدور وركز فيها من العلوم والإرادات صحيحة أو فاسدة ما امتاز به البشر عن سائر الكائنات فذلك محل التكليف الباطن الذي لا يطلع عليه إلا الرب البارئ، جل وعلا، فلا اطلاع لسواه عليه، وإن ظهر من الأمارات ما يدل عليه، فلا يحكم البشر إلا على الظاهر تصريحا يوجب الحكم، أو تلميحا يوجب الحذر فـ: (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ)، فبدا منها ما بدا بالتصريح الذي يوجب الزجر بنقض عهد أو إقامة حد، وخفي منها ما خفي بالكتمان في الصدور، فذلك يوجب الحذر فـ: (لَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ)، فحصل بالتذييل بهذين الوصفين بطريق القصر الحقيقي: التوكيد على معنى الحق الثابت بطريق القصر الادعائي.

وأن محمداً عبده ورسوله: فذلك توحيد الرسول، بإثبات العبودية حسما لمادة الغلو، وإثبات الرسالة حسما لمادة الجفاء في حقه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فاستوفت الشهادة: توحيد المرسِل جل وعلا، وتوحيد من أرسله بالشرع علوما وأعمالا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير