تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فيعلم حقائق الأعيان وما يقوم بها من الأوصاف والأفعال، فـ: (عِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)، فأين ذلك من علم المخلوق القاصر الذي لا يعلم إلا ما علمه الله، عز وجل، من الأخبار الغيبية ولا سبيل إلى دركها إلا من المشكاة النبوية، ونتائج العلوم التجريبية التي تقوم على البحث والمشاهدة والتسجيل للنتائج فما كان له أن يعلمها إلا بما يسره الرب، جل وعلا، له من اكتشاف سنن الكون الكهربية والمغناطيسية .... إلخ التي توصل بها إلى اكتشاف أسرار صناعة كثير من أدوات البحث الحديثة، فإنها مع دقتها وتعقيدها ترجع في النهاية إلى جملة من السنن الكوني المحكم الذي تخضع له دقائق الكون وذراته ومنها الدقائق والجسيمات التي تدخل في تركيب وتشغيل تلك الآلات المعقدة، فمرد الأمر إلى قدرة الرب، جل وعلا، على الإيجاد، فذلك دليل الخلق أو الاختراع، كما سماه ابن رشد الحفيد، رحمه الله، وهو ما يعرف في الفكر الغربي بالبرهان الكوني أو: " Cosmological Argument" ، وحكمته في تسيير تلك الموجودات بسنن كوني متقن، وذلك دليل الحكمة والتقدير، أو ما يعرف بـ: " Teleological Argument" ، ورحمته بالعباد أن يسر لهم أسباب الكون على هذا الوجه من الدقة والإحكام فلو اضطربت لاضطربت حالهم وفسدت حياتهم، فيسر لهم أسباب الكون لحفظ أبدانهم فـ: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)، ويسر لهم أسباب الشرع لحفظ أديانهم، فـ: (كَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، وذلك دليل العناية، وتلك الأدلة الثلاثة: الاختراع، والحكمة في خلق الموجودات على تلك الصور المتباينة فلكل مخلوق صورة تلائمه، والعناية بتيسير أسباب الشرع والكون، تلك الأدلة شاهد بوحدانية الرب، جل وعلا، في ربوبيته إيجادا وإعدادا وإمدادا، فذلك من المعلوم الضروري لمن صح قياسه العقلي، فاستدل بثبات سنن الكون على وحدانية وأحدية الرب العلي، جل جلاله، في ذاته وصفاته، فالسنن الكوني، مع تباين صورها وذلك مظنة التناقض فسهل وحزن وبارد وحار ..... إلخ من المتضادات أو المتناقضات، تتكامل على نحو متقن يدل يقينا على أن الإرادة الفاعلة في هذا الكون بإحياء أو إماتة، بإيجاد أو إعدام ..... إلخ: إرادة واحدة برسم النفاذ، فهي مقرونة بقدرة كاملة على إيقاع المقدور على ما يشاء القدير، جل وعلا، وحكمة بالغة على إيقاع المقدور على وجه تحصل به المصلحة العظمى، ولو آجلة، على ما يشاء الحكيم، جل وعلا، فباجتماع تلك الصفات الفاعلة تظهر آثار أسماء وأوصاف الرب، جل وعلا، في الكون، فهي ما تجري به المقادير بكلمات كونية نافذة، هي تأويل مشيئة الرب، جل وعلا، فالكلمات أثر صفاته الفاعلة التي يخلق بها من الأعيان ويوقع بها من الأحداث ما يريد بمشيئته العامة النافذة، فمن له العلم المحيط خصوصا والوصف الكامل عموما فله تمام الانفراد بالسلطان، فـ: (لَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى)، فليست الشفاعة عنده من جنس الشفاعة عند ملوك البشر الذين يخشون سخط أتباعهم، فيتألفون قلوبهم بقبول شفاعات جائرة فليس لهم من السلطان ما يردون به ما لا يريدون، بل هم إما عاجز يقبل شفاعة ظالم، فيداهنه بعطايا ومنح لا تحل له شرعا أو عقلا أو عرفا، فتنكرها البدائه فضلا عن الشرائع، وتلك مئنة ظاهرة من ضعفه فلا يملك إغضاب من وكله الرب، جل وعلا، إليه فبيده أمر تثبيته أو خلعه!، أو هكذا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير