تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يعتقد المخذول فإن الأمر لله جل وعلا وحده، ولكنه لفساد تصوره وإرادته ظن الأمر بيد غيره فاسترضى طواغيت البشر ممن له عليهم سلطان الاسم، واسترضى طواغيت الأمم ممن لهم عليه سلطان الأمر والنهي!، فما زاده ذلك في أعينهم إلا هوانا، وما زاده ذلك في أعين أهل الحق إلا ضآلة فالقلوب له كارهة برسم: "ومن أرضى الناس بسخط الله؛ عاد حامده من الناس له ذاما"، فله السخط الذي التمس ضده، وتلك آية من آيات الرب جل وعلا في جزاء العاملين فيكافئ العامل على غير منهاج النبوة بنقيض مقصوده، فابتغى العزة عند الكافرين برسم: (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعً)، فأذله الرب جل وعلا لهم وهان أمره على المؤمنين فلا ينصرونه بل لسان مقالهم وحالهم له مبغض ولزوال ملكه متعجل برسم: "اللهم أبدلنا خيرا منه" ولا يكون ذلك بداهة إلا بصلاح حال الرعية فتلك سنة كونية فـ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، وإما ظالم مثله يواطئه على ظلمه فقد تلاقت الإرادات الفاسدة برسم التآمر على أصحاب الحقوق المسلوبة، ولو كانت من بدائه ما يثبت بالعقل والعرف فضلا عن الشرع، فذلك ملك يشفع عنده من لا يريد من أصحاب الجاه الذي يخشى نفوذهم، فلا يصح في قياس العقل بداهة حمل شفاعة الشافعين عند رب العالمين على شفاعة أهل الدنيا عند ملوك الجور، فذلك من القياس الفاسد لاختلاف الوصف، فملك الملوك، جل وعلا، له كمال الوصف فهو الحكم العدل فينتفي في حقه الجور بداهة، فالإثبات يتضمن نفي ضده من وصف النقص الذي تنزه عنه، جل وعلا، بداهة، وهو القدير فلا يعجزه شيء وهو القاهر فلا يخرج عن أمره الكوني النافذ شيء، فليس كملوك الدنيا الذين لا قدرة لهم على كثير ممن تحت ولايتهم لضعف وصفهم فلا يحيطون بهم علما، فكيف بمن جاورهم من الأمم ممن لا سلطان لهم عليهم ابتداء؟!، فإذا اختلف الوصف: اختلفت العلة وذلك مانع من تعدية حكم الأصل المقيس عليه إلى الفرع المقيس، فينتفي ما ثبت في حق المخلوق من شفاعة برسم الاضطرار في حق الرب، جل وعلا، فلا يشفع عنده أحد إلا بإذنه الكوني، فلا يخشى أحدا كخشية الخلق بعضهم بعضا، وخشيتهم منه، جل وعلا، خشية عظيمة، فالملائكة: (هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)، فقدمت علة الإشفاق تنويها بذكرها، فهي الباعث الحثيث على دوام المراقبة برسم المتقين: (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ)، فمن كان بالله أعلم كان له أخشى وعن محارمه أورع.

والشاهد أن ذلك مما انتفى به وصف الإله عن المخلوق، ولو كان أشرف الخلق، فذلك مما يحسم مادة الإطراء الكاذب بخلع صفات ربانية على بشر مخلوق ليس له من أمر التقدير أو التكوين شيء، فـ: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ)، فليس له إلا أمر التبليغ برسم: (إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ)، فذلك من القصر الادعائي إمعانا في تقرير وظيفة الرسل عليهم السلام، ويقابله في الحديث القصر الادعائي في تقرير وصفهم: (إنما أنا عبد الله ورسوله)، فقولوا عبد الله ورسوله: فالفاء مئنة من السببية، فبشريته صلى الله عليه وعلى آله وسلم تنفي ما قيل في حقه من إطراء كاذب، وما قيل في حق المسيح عليه السلام من باب أولى، فهو أقبح في النقل الذي أثبت التوحيد الذاتي والوصفي للرب العلي، جل وعلا، فلا يليق في حقه ذاتا أو صفات ما يليق في حق البشر من وجوه النقص الجبلي، فالذوات حادثة والأوصاف ناقصة، وذات الرب، جل وعلا، أزلية أبدية باقية، وأوصافه كاملة فلها ما للذات من الديمومة والكمال، فقولوا: عبد الله، فذلك يحسم مادة الغلو بخلع أوصاف الربوبية أو الألوهية عليه، وهما متلازمان، فما وقع غلو في الألوهية إلا فرعا عن غلو في الربوبية، فمن اعتقد في شيء ضرا أو نفعا أو كمالا ليس فيه فذلك من فساد التصور بقلة العلم وضعف العقل، فإنه سيصرف له بداهة من صور العبودية والتأله ما لا يصح صرفه شرعا وعقلا إلا للرب العلي، تبارك وتعالى، ورسوله:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير