تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ)، فهي من الوحي الشيطاني الذي يعارض أصحابه الوحي الرحماني النازل برسم: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)، أم كانت حيلا كحيل أرباب السيرك!، فكثيرا ما تكون الخارقة، مع قصور الاستدلال بها بل بطلانه إن لم يكن صاحبها على الجادة، كثيرا ما تكون زائفة لا حقيقة لها، كما ذكر ابن تيمية، رحمه الله، في "الجواب الصحيح" جملة من ذلك، فهي خداع بصر أو خفة يد تجعل صاحبها إلى وصف المهرج أقرب!، مع كونه يدعي الإمامة في الدين فهو رجله الذي وكل إليه أمره برسم النيابة عن الإله الذي استخلفه في الأرض ليحل ويحرم، ويحل ويعقد!، فمعه أسرار الصنعة التي لا يجيدها إلا أرباب الخبرة في فنون التلبيس والتأويل، والكتمان والتحريف لألفاظ ومعاني الوحي أو آثاره الباقية، فلا تروج تلك المقالات التي تخالف أصول النقل والعقل إلا تحت ستار من التأويلات المتكلفة التي تجعلها من جنس تأويلات الباطنية، مع اختلاف العقول واضطرابها في تخريج تلك المقالة المحالة التي تنقض أصول الاستدلال العقلي نقضا، فلا بد من تجاوز حدود العقل برسم الإيمان والتسليم المطلق، ولو بمحال تنكره بدائه العقول، فيكون النقل قد جاء بما ينقض أصول العقل، آلة التكليف والابتلاء، فبه تدرك حقائق الأشياء، وبه تناط معرفة المعاني على وجه يحصل به التصور العلمي الذي ينتج في القلب حركات إرادية تظهر آثارها لزوما في الأقوال والأعمال برسم الصحة إن كان التصور رحمانيا، وبرسم الفساد إن كان التصور شيطانيا، فإذا جاء النقل بما يبطل ملكات العقل من تصور وقياس فألزمه بمقالة محالة لا يتصورها لما فيها من نقض لحقائق الرسالات من تنزيه لرب البرية، جل وعلا، عن النقائص، وتوحيد له في الباطن والظاهر، فلا يتصور العقل ذلك وإنما غايته أن يفرضه فرض المحال فيقترحه من باب الجدال لا التسليم بجوازه فضلا عن وجوبه، بل وجعله مناط النجاة والخلاص، فلن ينجو المكلف إلا إذا اعتقد النقص القادح في ذات وصفات الرب الكامل، جل وعلا، فله الجمال والجلال، فتلك حقيقة الكمال الذي اتصف به أزلا وأبدا، ذاتا وصفة، مشيئة وفعلا، فكلماته أصدق الكلمات وأحكامه أعدل الأحكام،، فإذا جاء النقل على هذا الوجه بطل قياس العقل فلا يدل على حقائق الأشياء، فقد جوز وقوع المحال بل أوجبه في أشرف العلوم: علوم الإلهيات والنبوات، وجعل ذلك معقد النجاة، ولو بتكذيب أخبار النبوات وإبطال أحكامها، فلا ينفك الفساد العلمي عن فساد عملي ولذلك كثرت البدع الحادثة في الديانات المبدلة فلم يقتصر الأمر على العقد الباطن بل تجاوزه إلى العمل الظاهر، فكل يحدث في العلم أو العمل ما يوافق هواه أو ذوقه، فلا تكاد تحكي شريعة واحدة، إن وجدت!، لأصحاب تلك الديانات، فصاحب الشرع هو الكاهن، ولكل كاهن أسراره، ولكل كاهن عقل وذوق، فتتعدد الأحكام وتضطرب بتعدد مصادرها وقصور مدارك أصحابها، فكل متخرص يظن الحق في رأيه، ولو كان على غير ما جاءت به النبوة من أخبار وقررته من أحكام، فيعارض بمقالته مقالة النبوة العلمية ويعارض بقياس عقله شريعتها العملية: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)، وتلك خصلة ذميمة يرثها عن أصحاب الديانات المبدلة أصحاب الطرائق الأرضية الحادثة، فهي موضوعة ابتداء فلا مستند لها من الوحي، ولو آثارا، فمرد الأمر عندهم إلى قياس عقولهم، فيعارضون، أيضا، حكم الوحي الملزم، بقياس العقل المفسد!، فـ: (إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ)، فإذا نهوا عن الإفساد بتعطيل أحكام النبوات النازلة ومعارضتها بأحكام البشر الحادثة في العلميات برسم التأويل الذي يفيد ظنونا لا تعدل يقين أخبار النبوات فأصحابها من الفلاسفة ومن سار على طريقتهم من المتكلمين قد استبدلوا الذي هو أدنى من قياس العقل بالذي هو خير من خبر الوحي، وفي العمليات برسم الإحداث لأحكام وجزاءات تعارض ما قررته الرسالات فهي أيضا من متشابه العقول الذي يعارض به محكم الوحي فأصحابه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير