تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يملك لنصرة الدين وأهله شيئا، ولو كلمة حق في ناد عام أو خاص، ولو دعاء في السحر، ولو دريهمات أو درهما ...... إلخ من صور العمل التي يحسبها الجاهل هينة وهي عند الله، جل وعلا، عظيمة إن بذلت برسم الإخلاص، فهي المقدور الذي يتعلق به التكليف، فلا تكليف إلا به، وذلك من رحمة الرب، جل وعلا، الذي استجاب لدعاء المؤمنين: (رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ)، فتأويل ذلك ما جاءت به الشريعة من موارد التخفيف، فالحرج مرفوع شرعا لئلا يحتج قاعد بأنه لا يقدر على فعل شيء، فما توجه إليه التكليف بما لا يقدر ابتداء!، فابذل ما عليك من تكليف شرعي وليس عليك ما يقضي الرب، جل وعلا، بقضائه الكوني، فما كلف العباد بالتكوين وإنما ابتلاهم الرب، جل وعلا، بالتشريع، فـ: (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ)، فإذا أدى المكلف ما كلف به من الشرائع في أعصار التمكين أو التضييق، فلكل زمن فقهه وأحكامه، إذا أدى ما كلف به بقدر الطاقة فلم يقعد عن نصرة واجبة في زمن سعة أو زمن شدة كزماننا الذي اشتدت في المحنة لا سيما في السنوات الأخيرة، إذا فعل ذلك فقد برئت ذمته، وذلك ما يعنيه ابتداء، فلا يعنيه أن يقوم عوج غيره قبل أن يقوم عوجه، ولا يعنيه أن يقوم عوج غيره بعد ذلك إلا برسم الأمر لمن له عليه ولاية، والنصح والإرشاد لمن ليست له عليه ولاية إن لم يؤد ذلك إلى فساد عام أو خاص يرجح مصلحة إسداء النصح فقد يكون النصح في عدم النصح لا سيما إن كان من تسدي إليه النصح ظالما فاتكا، أو سفيها جاهلا، فاستعمال المداراة مع أمثال أولئك مما يحسن، فلا تحسن المداهنة في الديانة، وإنما تحسن المداراة برسم بذل الدنيا صيانة للدين، والأصل في ذلك حديث عائشة، رضي الله عنها، وفيه: "إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ تَرَكَهُ أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ"، فبئس أخو العشيرة من تنصحه فيتوصل إليك بالضر بحبس أو قتل ..... إلخ من صور الأذى في النفس وفي المال والأهل، فالبعد عنه متعين صيانة للأديان من الابتذال، وصيانة للأبدان من النكال، فلا ينفك الداخل على ذوي السلطان من نقص يناله في دينه ولو سكوتا على محارم تنتهك ومظالم ترتكب فيكون قد أعان الظالم على ظلمه بالتلميح، بل قد يظهر الرضا بلسانه وجوارحه فيكون قد أعان الظالم على ظلمه بالتصريح، بل قد يدعو له بالحفظ! فهو يحب أن يعصى الله عز وجل كما أثر عن الحسن رحمه الله، فلا يتصور نهوض ممن هذا وصفه إلى نصرة دين أو نجدة مستضعف يلجأ إليه ليحفظ عليه دينه أو بدنه، ففي الأعصار والأمصار التي زالت فيها دولة النبوة أو أزيلت، كما في دول الشرق عقيب إسقاط الخلافة وتولية من ليس بأهل للولاية من علمانيين مارقين، أو عسكر ظالمين قد قهروا الأمم بسيف الإرهاب، فليس لهم حجة من نقل أو عقل، بل ليس لهم من قياس العقول نصيب، فليس ثم إلا التطرف الفكري بحرب كل ما هو ديني إسلامي تحديدا!، ولو شعائر لا تعترض عليها العلمانيات الغربية التي راموا تقليدها فجاءوا بأسوأ منها، ففي دول تغيب فيها شمس العدل برسم النبوة، فالنبوة هي معدن العدل الكامل فعدل غيرها كلام يبذل باللسان، فلا رقيب يضبط أخلاق البشر عدلا وشجاعة ونجدة ومروءة وكرما ....... إلخ، لا رقيب يضبطها إلا الرقيب الشرعي الذي جاءت به النبوات، فهي معدن الإحسان الذي حده صاحب الشريعة صلى الله عليه وعلى آله وسلم بكلمات يسيرات جامعة: "أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ"، ففي دول تغيب فيها شمس النبوة ليس ثم خلق شرعي يأرز إليه المستضعفون الذين خذلوا بل تآمر عليهم من ينتسب إلى الحق!، فالمؤسسات الدينية والأمنية قد توافقت على رده إلى الكفار ولو جاءنا مؤمنا برسم الهجرة، بل ليس ثم خلق طبعي من مروءة يتحلى بها كثير من الكفار الأصليين ممن يأبون الظلم فقبحه قد أجمعت عليه العقول إلا عقول المتنفذين في ممالك الجور من ساسة وأتباع، فلا يقبح في عقولهم إلا ما يعارض نفوذهم وينتقص من رياساتهم الزائلة ومكاسبهم الفانية، فمعقد ولائهم وبرائهم ما تصيبه نفوسهم من لذة جاه زائف، وما

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير