تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تصيبه أبدانهم من شهوة مطعوم أو منكوح فتلك مئنة من خسة النفس ولؤم الأصل، فأنى ترتجى ديانة تعصم عن ارتكاب الدنايا، بل أنى ترتجى مروءة تحجز عما يقبح في العرف الصحيح قبل أن يقبح في العقل الصريح والشرع الحنيف، فالتلاؤم بينها متعين برسم: "خِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا"، في دول هذا وصفها لا ينتظر عاقل أن تنصره إمارة أو ولاية، فلا مناص من بذل المجهود برسم: (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ)، فإن قعد فلان أو فلان من القادرين أو العاجزين عن بذل وسعه فلا يكن نصيبك من النازلة القعود كما قعدوا!، بل نصرة المؤمن متعينة قدر الاستطاعة، ولو بدعاء في السحر، فالرب، جل وعلا، كما تقدم، لا يعجز عن نصرة المستضعف، فـ: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ)، فتسلط النفي هنا، أيضا، على المصدر الكامن في الفعل برسم الجحود عقيب الكون المنفي فذلك آكد في تقرير النفي، فضلا عن تسلطه على النكرة، فلا يصيبه أدنى قدر من العجز عن فعل أي شيء إيجادا أو تدبيرا، في الأرض ولا في السماء، فتكرار النفي، أيضا، مئنة من تقرير المعنى توكيدا بالإطناب بتكرار أداة النفي، فلا يعجز، جل وعلا، عن نصرة المستضعف، وإنما ابتلى به القادرين كل بحسب قدرته، فالتكليف، كما تقدم، يتفاوت بتفاوت الأحوال، فيجب على العالم من البيان ما لا يجب على الجاهل، ويجب على القادر من النصرة ما لا يجب على العاجز، ويجب على الغني من النفقة ما لا يجب على الفقير ...... إلخ، وتلك من صور القدرة الربانية بالتنويع في صور الخلق فخلق الأضداد من كفر وإيمان، وطاعة ومعصية ....... إلخ مئنة من عموم قدرته، جل وعلا، فيخلق بمشيئته النافذة، ويدبر بحكمته البالغة، فيقع التدافع بين تلك الأضداد فبه يصلح أمر هذا العالم، فـ: (لَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ)، فابتلاء المكلفين بقدر طاقاتهم، فيدور الحكم في حقهم وجودا وعدما، من أظهر صور الحكمة والرحمة، فتلك من آثار صفات الجمال، وذلك مما يهون على آحاد المكلفين أمر الانتصار للدين وأهله، فلا يلزمك إلا ما تطيقه، ولا يعنيك قعود من قعد إن جئت بما تبرأ به ذمتك، فلا يحسن الغلو في هذا الباب بتكليف النفس ما لا تطيق، فـ: "ما ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه، قالوا: وكيف يذلّ نفسه يا رسول الله؟ قال: يتحمل من البلاء ما لا يطيق"، فضلا عما يتولد من ذلك من فساد عام ينال غيره ضرره، فأهل الباطل يتحينون الفرص للإيقاع بأهل الحق جملة بلا تمييز بين مخطئ ومصيب! إن صح أن نصرة الدين خطأ يستوجب العقاب!، وقد تكون بعض صور النصرة التي تغلب عليها العاطفة فيغيب العقل لا سيما في زمن الفتنة، قد تكون خطأ من جهة السياسة الشرعية التي تضبط المصالح والمفاسد بميزان دقيق لا يصغي إلى صوت العاطفة والحماسة إن لم يكن مشفوعا بصوت الحكمة والديانة، فالمصلحة قد تكون مرجوحة فتؤخر دفعا لمفسدة راجحة، فيرتكب أهون الشرين دفعا لأعظمهما فـ: بعض الشر أهون من بعض، وتلك كما يقول بعض المحققين من أهل العلم، خلاصة علوم النبوات، فالتمييز بين الخير والشر يحسنه كل أحد، ولكن تحرير محل النزاع في المشتبهات التي تتنازعها مصالح متعارضة فيقدم أولاها بالاعتبار، أو مفاسد متفاوتة فيدفع أعظمها ولو بارتكاب أهونها، فتكون عين المصلحة ارتكاب ما فيه نوع مفسدة، برسم: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ)، فامتنع سب آلهتهم، والامتناع عن كشف عوار الباطل مفسدة ولكنها تغتفر في مقابل مصلحة صيانة جناب الملة من القدح بالطعن في رب العزة، جل وعلا، أو صاحب الرسالة صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا يدخل في ذلك، بداهة، ما نحن فيه الآن من تطاول صريح على أصول الديانة من الكفار الأصليين وأذنابهم، فالسكوت عن كشف عوارهم: تخاذل عن نصرة الدين وأهله فهو من جنس التخاذل الذي صدر به الحديث، فالقعود برسم الجبن أو الكسل أو قلة المروءة أو عدم الاكتراث ليس من جنس الحكمة التي يدعيها من يدعيها من أصحاب النفوس الباردة، فالحكمة في دفع المفسدة قبل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير