تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

القياسية كما قرر ذلك أهل الأصول، فالعدل واجب في كل أمر مع كل أحد، والظلم محرم في كل أمر مع كل أحد، كل ذلك واجب، فخذلانه في موضع يطلب فيه النصرة من وجه مشروع ولو عونا على مسلم ظلمه، فنصرة المسلم الظالم حينئذ في الأخذ على يده برسم: "انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا قَالَ: تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ"، خذلانه على هذا الوجه، وإن كان كافرا، مما يقبح في الشرع والعقل ومما يستنكفه أهل المروءات الكاملة، وإن لم يكونوا أصحاب ديانات صحيحة، فيكون خذلان المسلم أقبح من باب أولى.

فـ: ما من امرئ يخذل امرءاً مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه: فذلك موضع تجب فيه النصرة فحسن الإطناب في وصفه إمعانا في تقرير المعنى وإلهابا لنفس المخاطب لينهض إلى الأمر بعزيمة صادقة إن كان ثم بقية ديانة أو مروءة!، وجاءت المضارعة مئنة من استحضار تلك الصورة التي تقبح في العقول وتصيب النفوس منها مرارة عظيمة إن وقع الظلم على المسلم، لا سيما المستضعف في دينه، الذي يطلب النجدة فيناله ضد ما أراده من نصرة وحماية فليس ثم إلا الخذلان بل التآمر!، فليته سلم من أذاهم إن لم ينل منهم ما تقر به عينه من رفع للضيم ودفع للصائل على دينه من الكفار الأصليين فقد أصبح أولئك من جملة الصائلين!، فحسن مع ذلك إمعانا في التنفير من ذلك الجرم العظيم، حسن معه الوعيد بجزاء من جنس العمل بل من عينه، فالجناس بين مادتي الخذلان في: "يخذل"، و: "خذله"، مع اختلاف جهة الصدور، فالأول مذموم لصدوره من المكلف على جهة المعصية، والثاني محمود لصدوره من الرب، جل وعلا، على جهة الجزاء العدل، فـ: (جَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا)، فاختلاف متعلق الصفة قرينة تدل على المعنى المراد، فالوصف واحد ولكنه في حق العبد مذموم، وفي حق الرب، جل وعلا، محمود، فالخذلان قبيح، وخذلان المتخاذل حسن، فذلك من وصف الكمال المقيد الذي ثبت للرب، جل وعلا، في مواضع من التنزيل من قبيل قوله تعالى: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)، فعقوبة عادلة بخذلان الرب، جل وعلا، لمن خذل مسلما بالقعود عن نصرته مع القدرة على ذلك.

وبعد الترهيب بتصدير السياق بالوعيد بخذلان المتخاذل فيكون ذلك من قبيل التخلية من الوصف المذموم بالتنبيه على وعيده الذي تنفر منه النفوس، بعده جاء الترغيب في ضده على جهة المقابلة الكاملة بين الشطرين، فبهما اكتمل عقد المعنى، فترهيب يعقبه ترغيب، وتخلية للمحل من وصف السوء يعقبها تحلية بالحث على التحلي بضده فـ:

ما من امرئ ينصر امرءا مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته.

وجاء سياق الوعيد والوعد فهما شطرا الحديث على جهة المقابلة بين التركيبين كما تقدم: جاء بصيغة الشرط إمعانا في تقرير المعنى بتعليق وقوع المشروط على شرطه فذلك من التلازم العقلي الوثيق، فضلا عن استعمال أقوى أساليب القصر: النفي والاستثناء، فذلك، أيضا، مما يزداد المعنى به توكيدا في الأسماع وتقريرا في الأذهان.

والله أعلى وأعلم.

ـ[أنوار]ــــــــ[28 - 10 - 2010, 09:44 م]ـ

بارك الله جهودكم أستاذنا الكريم ..

حديث عظيم ..

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير