تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقوعها فإذا وقعت وانتهى الأمر، فالحكمة كل الحكمة، في دفعها بسائر الوسائل المشروعة فتكون الحكمة حينئذ في اختيار الوسيلة المناسبة التي لا تؤدي إلى وقوع مفسدة أعظم، لا في القعود وعدم البذل فذلك عين السفه والجبن، فضلا عن تحلي صاحبه بقدر لا بأس به من النذالة وعدم المروءة، وهي أخلاق أصيلة في أعصار تقل فيها الغيرة الإيمانية والحمية الدينية بل تكاد تنعدم تحت وطأة الإرهاب الفكري والبدني والإفساد الخلقي، فكل ذلك يقضي على الديانات والمروءات، وتلك الأخلاق بمقتضى السنة الكونية النافذة ذريعة إلى وقوع نقيض ما يقصده من يتحلى بها طلبا لسلامة زائفة، فلا تزيده إلا ذلا وخوفا، ولا تزيد عدوه إلا ظلما وتسلطا، فمع كل تنازل جديد: تنازل تال فأهل الباطل لا يقنعون بتنازلات جزئية، ولو كانت في الثوابت والأصول الكلية، فمرادهم الأول: التنازل الكامل عن أحكام الديانة فـ: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً)، فلا يتحقق رضاهم إلا بالاتباع المطلق، فـ: (لَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)، ولا يكون ذلك إلا مشفوعا بارتكاب ما يسخط الرب، جل وعلا، فـ: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ)، فأطاعوهم، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، في بعض الأمر لا في كله، فكان ذلك ذريعة إلى التفريط في الأمر جملة وتفصيلا!، فذلك من شؤم التنازل بالقول والفعل بل والسكوت برسم الرضا أو القعود مع قدرة، ولو ضئيلة، على الجهر بكلمة حق، ولو في ناد خاص، فأهل الباطل يأتون في ناديهم المنكر جهارا، وأهل الحق يقعدون عن بيان الحق في ناديهم ولو إسرارا أو إعلانا حيث لا مفسدة ولا مخاطرة!، ومع التنازل تكون العقوبة الربانية النافذة بسخط من بذل المخذول وسعه في استرضائهم، فـ: "من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله تعالى عنه وأرضى الناس عنه ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس"، فحصل بالمقابلة تقرير لشطري القسمة العقلية رضا هو مئنة من فعل الممدوح، وسخطا هو مئنة من ارتكاب المذموم، فالمفاصلة بين الحق والباطل واقعة لا محالة، فتلك سنة كونية جارية فما من دعوى صحيحة إلا ولها أعداء يتربصون بها الدوائر وينزلون بها النوازل فذلك مما تبلى به سرائر النفوس وتستنبط به مكنونات الصدور فتظهر لزوما حال الابتلاء: حقائق النفوس التي تحسن التجمل والتصنع في أزمنة العافية، فـ: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)، فنصب الحرب للدعوات الصحيحة مئنة من صحتها في نفس الأمر، كما يقول بعض الفضلاء، فلو سكت أهل الحق وآثروا السلامة فلن يسكت أهل الباطل فهم مسعرو الحروب فـ: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) وموقدو الفتن في الدين لعموم المؤمنين، فـ: (مَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ).

وما تقدم من دلالات العموم التي صدر بها الحديث يعضده دلالة النكرة: "امرئ" في نفسها على الشيوع والخطاب بداهة يتوجه إلى المؤمنين، بل إنه بمقتضى عموم التشريع يتوجه إلى الكفار الأصليين، فخطاب الشريعة يعمهم على ما قرر أهل الأصول، فالخطاب يتوجه إلى المؤمنين ويعم غيرهم، وهي مقيدة بوصف الإسلام، وهو وصف مؤثر في الحكم فالنصرة الكاملة لا تكون إلا للمسلم، فخرج بالمفهوم غيره، وإن كان داخلا من وجه آخر فالبر به إن لم يكن محاربا برسم: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، والامتناع عن ظلمه، فـ: "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا"، فالخطاب عام لم يقيد بوصف إيمان أو كفر فتوجه إلى عموم العباد فالتعريف بالإضافة إلى الضمير من صور العموم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير