تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

عناء في قبول آثارها فهي مما يلائم قوى البشر العلمية والعملية، فقد جاءت النبوات بأصدق الأخبار وأعدل الأحكام.

فابتلي المكلفون بمتشابه في الفروع يحصل برده إلى الرب، جل وعلا، تمام الإيمان والتسليم فـ: (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)، فأبى الظالمون إلا تتبعه برسم المعارضة والتشكيك لا الرد إلى المحكم الصحيح، فتتبع من تتبع متشابه الحقائق الخارجية التي أحكمت معانيها الذهنية فهي محل التكليف بالإيمان بها وقطع الطمع في درك حقائقها فلا يعلم تأويلها في الخارج إلا الرب الخالق، جل وعلا، الذي أخبر بها في محكم التنزيل، بلسان عربي مبين، فالألفاظ قد حفظت والمعاني قد ظهرت فأدركت العقول معناها وإن لم تدرك كنهها، فلا يعلم كنه الغيب الخبري إلا الرب العلي، جل وعلا، فمحل العقل: التسليم لا الخوض فيما ليس له بأهل لقصور آلته وضعف مداركه فيعمل قواه العلمية في درك المعاني ويعمل قواه العملية في تحصيل آثارها الإيمانية، فيكتمل له شطرا الإيمان من قول وعمل، فالأول يباشره بقوى العلم، والثاني يباشره بقوى العمل، وذلك أصل جليل يحسم مادة الشبهات في هذا الباب الجليل فليس ثم بضاعة لأهل الضلال في أخبار الغيب إلا القياس الفاسد لذات وأوصاف الخالق جل وعلا على أعيان وأحوال المخلوق الحادث!، فمن وقع في التمثيل الباطل فجوز لحوق أوصاف النقص الجبلية بالذات القدسية المنزهة عن كل عوارض النقص البشرية، من وقع في هذا التمثيل فقد نقض قياس العقل نقضا، بقياسه الفاسد: الكاملَ على الناقص، فجوز على الرب، جل وعلا، ما جوزه أهل الكتاب الأول من لغوب بعد خلق الكون، وما جوزه أهل الكتاب الثاني من اتحاد باطل بناسوت حادث طرأ عليه من عوارض النقص فذلك مما يسلم به المخالف كما في محاجة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لوفد نصارى نجران، فمن يرتضع ويحدث وينام ثم يصفع ويبصق في وجهه ويعلق على خشبة الصلب بزعم أهل الباطل ممن جوزوا في حق الرب، جل وعلا، ما لا يجوز في حق آحاد القادرين من البشر! من هذا وصفه ولو كذبا كما زعم المخالف ممن غلا في حق المسيح عليه السلام وجفا في حق رب العبيد جل وعلا، من هذا وصفه كيف يصح نعته بالألوهية أو البنوة لرب البرية، بزعم تجسد الكلمة الكونية في ناسوته فيطرأ على الوصف الإلهي من أعراض النقص الجبلي ما يستحيل بداهة ولو بلا خبر رسالة!، فكيف وقد جاءت الرسالة بإبطال ذلك فأثبتت لله، جل وعلا، وحدانية الذات القدسية وأحدية الصفات العلية.

والشاهد أن المتشابه في هذا الباب الجليل هو حقائق ما جاءت به الرسالات من الغيب الذي لا يدرك العقل كنهه وإن أدرك معناه من صفات الرب، جل وعلا، فهي أعظم الغيوب فـ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، فليس كمثله شيء في حقائق ذاته وصفاته وإن حصل نوع اشتراك في المعاني الكلية بين صفاته العلية وصفات البشر من علم وحكمة وسمع وبصر ..... إلخ فتلك كليات ذهنية جامعة لا يصح في الأذهان معنى إلا بإثباتها فهي أصول كلية جامعة لمدركات العقول العلمية التي لا يتصور تكليف إلا بإثباتها، فلا يلزم من إثباتها إثبات التشابه فضلا عن التماثل في الخارج كما قد وقع في ذلك فئام من المعطلة للرب، جل وعلا، عن وصف كماله بتجويز وقوع الشركة فيه بينه وبين خلقه فيبطل انفراده بالمثل الأعلى الذي أثبته لنفسه في محكم التنزيل فـ: (لِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فله المثل الأعلى في الذات والاسم والوصف والفعل، فذلك مقام قد انفرد به لتفرده بمقام الربوبية خبرا والألوهية طلبا، فليس كمثله شيء في مقام إثبات القدر الفارق بين الرب والعبد تنزيها للرب، جل وعلا، عن الاتصاف بحقائق أوصاف البشر وهو السميع البصير: إثباتا للقدر المشترك في المعاني الكلية التي لا يستقيم منطوق أو معقول إلا بإثباتها، فذلك أصل جليل في هذا الباب قرره المحققون كابن تيمية رحمه الله، فيطرد في كل حقائق الغيوب من باب أولى كأحوال دار البرزخ الانتقالية ودار الجزاء السرمدية، فلا يجد العقل كلفة في إثبات المعاني وتفويض الحقائق، فالابتلاء قد وقع بالأولى: إثباتا وتقريرا، وبالثانية: تفويضا وتسليما، فكمال العلم في هذا الباب يكون بالسير على طريقة السلف بحمل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير