تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المتشابه على المحكم، فيحمل متشابه حقائق الصفات الإلهية على محكم معانيها الذهنية، ومحكم التنزيل: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ): تنزيها، ومحكمه: (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ): إثباتا، فتنزيه بلا تعطيل وإثبات بلا تمثيل، فإذا اكتملت القوى العلمية النافعة تولد من ذلك ضرورة قوة عملية صالحة يوقع بها صاحبها من أعمال القلوب والجوارح ما تظهر آثاره في الكون حفظا للأديان وصيانة للأبدان وعمارة للأمصار، فنفع الرسالات متعد إلى كل شأن، فبها يصلح الشأن الديني بتأويل أخبار وأحكام الشرع، والشأن الدنيوي بعمارة الأرض، وبها يصلح المعاش برسم: (لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، ويصلح المعاد برسم: (يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) فتلك العبودية الإيمانية الخاصة فتكون الإضافة إلى ضمير المتكلم الراجع على الرب جل وعلا: مئنة من تعظيم شأنهم والعناية والتنويه بذكرهم.

فلا ينقضي العجب ممن علم ذلك ثم أعرض عنه لحفظ رياسة زائلة، فانتحل الباطل بل المحال فكل من عارض الوحي بهواه أو ذوقه فإنه واقع لا محالة في صور من الاضطراب والتناقض والاختلاف والتضارب، فبها يظهر الرب، جل وعلا، زيف مقالته، وإحكام مقالة الرسالة فبضدها تتميز الأشياء، فقد غلا من غلا في المسيح عليه السلام فنال نيابته!، وغلا من غلا في غائب منتظر فنال ولايته فهو الفقيه الذي لا راد لقضائه!، وغلا من غلا في شيخ فنال خلافته فهو الشيخ من بعده والرئيس الكامل الذي ورث أسرار طريقته، ففي كلها من الأسرار الكهنوتية التي تنفرد بها طبقة الكهان ما يظهر به لكل ذي عقل سليم فضل الرسالة التي حررت العقول من قيد الخرافة والنفوس من قيد الخوف من المجهول!، فلا مجهول في الوحي الذي أبان عن حقائق الكون برسم: (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)، وأبان عن أخبار الماضين برسم: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ)، وأخبر عن المستقبل القريب برسم: (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ) فهي من أشراط الساعة الغيبية التي لا تدرك بالقوى العقلية فلا بد لإدراكها من خبر غيب صحيح لا يتلقى إلا من مشكاة النبوات فهي معدن الحق المطلق في هذا الباب فالعقل والفطرة قد يهتديان إجمالا إلى ما يجب وما يجوز وما يمتنع في حق الرب، جل وعلا، ولكنهما يعجزان عن درك البيان لإجمال ما ركز فيهما من علوم ضرورية بإثبات أوصاف الكمال ونفي أوصاف النقص عن رب البرية، جل وعلا، فذلك مركوز العقول والفطر، فبيان هذا المجمل وظيفة الرسل عليهم السلام، فضلا عن تقويم ما اعوج منها بتأثير الشرك الطارئ، فـ: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه"، فيولد مؤمنا بفطرته التوحيدية الأولى، ورجوع البشر إلى الدين الخاتم في زماننا من أظهر الأدلة على رسوخ مقرراته في فطر البشر، فهي آثار الميثاق الباقية، وإن حجبتها غيوم الكفر والشرك، وأخبر عن المآل البعيد برسم: (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ)، فاكتملت علوم الرسالة وأعمالها، فخبرها الصدق وحكمها العدل، فهي، عند التحقيق، أولى بتلك الحمية النفسانية التي تتحرك فيها النفس ولاء وبراء، فلا تسكن ثائرتها إلا بالانتصار لمعبودها، فقوم إبراهيم الخليل عليه السلام قد أظهروا من صور الحمية لآلهتهم ما حملهم على توجيه الاتهام إلى إمام الموحدين، فنادوه بنداء البعيد انتقاصا لقرينة السياق فلم يريدوا بداهة إعلاء من شأنه وهو الذي قضى على آلهتهم فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم ليقيم عليهم حجة عقلية محكمة على بطلان ألوهية ما سوى الله، عز وجل، من المعبودات الباطلة محسوسة كانت أو معقولة فمآل كلها إلى الفناء، فـ: (كُلُّ شَيْءٍ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير