تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قد فنيت الأجساد ولو بقيت فهي بمعزل عن التدبير الكوني فليس ذلك إلا للرب العلي وحده، عز وجل، بل هي بمعزل عما دونه من التكليف الشرعي فطلب الدعاء منها عبث يوقع صاحبه في الإحداث في الديانة ما ليس منها، ودعاؤها عبث أعظم يوقع صاحبه في الكفر الناقض للملة، والأول، كما قال أهل العلم، ذريعة إلى الثاني، فالنهي إليه يتوجه من جهتين:

من جهة كونه محرما في نفسه فهو من الإحداث في الديانة.

ومن جهة كونه محرما لغيره فهو ذريعة إلى المحظور الأكبر.

فدليل الخلق في حق الرب، جل وعلا، ثابت بل واجب، فهو الخالق تقديرا وتكوينا، وفي حقهم منتف بل هم المخلوقون بأيدي البشر، فذلك مما يعظم به الإنكار على من نحتهم ثم عبدهم!، فـ: (تأَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)، فالله، جل وعلا، خلقكم وما تعملون من الآلهة المحسوسة والمعقولة، فمن نحت لنفسه شرعة يضاهي بها شرعة الرب المليك، جل وعلا، فقد وقع في جنس ما وقع فيه قوم إبراهيم الخليل عليه السلام من نحت أرباب يضاهون بها الرب، تبارك وتعالى، فجنس الشرك يعم شرك المحسوسات في الخارج وشرك المعقولات في الذهن، ولا ينفك كلاهما عن جفاء في حق الرب، جل وعلا، وغلو في المخلوق بخلع صفات الرب، عز وجل، عليه صراحة أو لزوما لا انفكاك فيه.

ودليل العناية بالخليل عليه السلام أظهر من أن يشار إليه.

ودليل الحكمة في حقه، جل وعلا، ثابت، فأحكامه أعدل الأحكام، كونية كانت أو شرعية في مقابل اضطراب وتعارض بل وتناقض أحكام ما سواه من أرباب الشرائع المحدثة التي تضاهي بها الشرائع المنزلة سواء أكان ذلك في المقالات العلمية أم في الأحكام العملية خاصة كانت أو عامة.

ودليل الحاجة في حق الخليل عليه السلام ثابت، وهو من أظهر أدلة الألوهية بالتوجه إلى المعبود بحق وحده برسم الافتقار والحاجة، فيتوجه العبد إليه: بالشكر حال السعة والدعاء حال الضيق، فحاجة الخليل عليه السلام إلى ربه، جل وعلا، وحده، فلن ينجيه من الإحراق إلا أمره الكوني النافذ: (يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ).

ودليل العناية الخاصة بالمرسلين ثابت في حق الصفوة المذكورة فقد جبلهم الرب، جل وعلا، على أكمل الخلائق النفسانية الباطنة والجسدية الظاهرة، وأوحى إليهم ما تزكوا به النفوس من علوم النبوات وأعمالها، وأنجاهم من أعدائهم ...... إلخ، فتلك عاقبة المرسلين في الأولى والآخرة فـ: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ).

فحصل في هذا السياق عند التدبر والنظر بيان واف لركني الشهادة: شهادة التوحيد للمرسِل، جل وعلا، وشهادة المتابعة للمرسَل، فقد حصل بالتنويه بذكر النبوات إعلاء لشأنها وإجلال لقدرها فرسمها الاتباع المطلق، فـ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)، ففعل الطاعة أصل في النبوة، وتبع في غيرها من الولايات فلا يطاع أصحابها إلا تبعا للنبوات فإن خالفوا أحكامها فلا طاعة لهم.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير