تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ: فذلك من كمال العناية بالخليل عليه السلام، فهي نجاة بعد أخرى، فحسنت، أيضا، الإضافة إلى ضمير الجمع تقريرا للمنة الربانية السابغة فذلك من تمام تعظيم الرب، جل وعلا، في موضع يحسن فيه التعظيم ثناء عليه بوصف جماله أن حفظ رسله ونصرهم في الدارين، فـ: (لَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)، والزيادة في مبنى الفعل مئنة من زيادة المعنى، فذلك، مما يحسن، أيضا، في معرض تقرير المعنى في الأذهان فهو من أظهر صور العناية بالرسل عليهم السلام، ففيها قدر زائد على العناية العامة بالنوع الإنساني بتيسير أسباب حفظه وبقائه من مطعوم ومنكوح ..... إلخ.

وجاء الهجرة إلى أرض مباركة هي أرض فلسطين فاكتملت المنة بذلك فليست إلى أرض شؤم أو عذاب، بل قد نجي الخليل، عليه السلام، مما حاق بقومه، فتلك منة أولى، وخرج إلى أرض مباركة فتلك منة ثانية، ثم جاءت المنة الثالثة فـ: وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ: فوهب له برسم النبوة الابن والحفيد فذلك تكثير للعدد بعد فراق الأهل والعشيرة في "أور"، وشتان تكثير العدد بأنبياء معصومين وتكثيره بفجرة مشركين!، فحسن هنا، أيضا، إضافة الفعل إلى ضمير الجمع، تقريرا للمنة الربانية، وهو كبقية الأفعال السابقة، مما يتعلق بالمشيئة النافذة، فهو مما يدل عليه اسم الوهاب بدلالة التضمن، فيدل على الذات القدسية التي يقوم بها الوصف، ويدل على الوصف الفعلي المتجدد، يدل عليهما تضمنا، ويدل على كليهما معا: مطابقة، ومادة الهبة مئنة من الامتنان بلا عوض، وذلك، كما تقدم، آكد في معرض تقرير عنايته، جل وعلا، بالخليل عليه السلام.

واكتملت المنة بجعلهم أئمة برسم النبوة فذلك من الجعل القدري، فـ: (رَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ)، فـ: جَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا: فيهدون بالأمر الشرعي الذي بلغهم برسم الوحي، فـ: أَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ: فعم ثم خص تنويها بذكر الصلاة والزكاة، ثم عم في معرض التذييل: وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ: برسم الخضوع الانقيادي، لا الخضوع الاضطراري، فاكتملت في حقهم منة التكوين بالخلق، ومنة التشريع بالوحي.

والناظر في هذه الآيات يرى من أدلة الربوبية وآيات الوحدانية في الفعل الرباني النافذ برسم انتفاء الشريك المنازع أو الظهير المعاون، وأدلة صحة النبوات بتمكين أصحاب الدعاوى الصادقة وما يدل عليه بمقتضى دليل الخطاب المخالف من افتضاح أمر أصحاب الدعاوى الكاذبة ولو حصل لهم نوع تمكين ظاهر باشتهار مقالة أو كثرة أتباع من المغفلين أو خارقة كونية برسم المعونة الشيطانية في مقابل المعونة الرحمانية في خارقة المرسلين وكرامة الأولياء الصالحين، ففيها من دلائل القدرة النافذة: إنجاء الخليل عليه السلام بإبطال قوى الإحراق الفاعلة في النار، وفيها من دلائل الحكمة البالغة: طرد الحجة الرسالية الداحضة لحجج أعداء النبوة فهي حجج واهية، بل قد أجرى الرب، جل وعلا، الحجة على لسانهم، كما تقدم من رجوعهم إلى أنفسهم فهم الظالمون بوضع الشيء في غير موضعه، بل قد وقعوا في أقبح الظلم بوضع مادة الخضوع والعبودية في غير محلها فوضعوها في محل لا ينطق، فوصفه ناقص، بل ولا يملك رد من ينتهك حرمته المزعومة! بالتحطيم فهو عاجز، فوصفه: وصف الناقص، وفعله: فعل العاجز، فالنقص فيهم ذاتي متأصل يعم الذات والوصف والفعل، فالذوات محدثة من العدم صائرة إلى الفناء، والصفات ناقصة فرعا على نقصان الذات، والأفعال أفعال الكائن العاجز، بل لا أفعال لهم فهم جماد لا يعقل بل لا يحس ولا يتحرك وذلك أبلغ ما يكون في النقص، فـ: (مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)، فهو ميت سواء أكان جامدا لا يحس أم متحركا حساسا سلبت منه مادة الحياة فصار جسدا بلا روح بل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير