تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فإذا انسد باب الجدال فتح باب القتال ضرورة فهو تأويل ما يعقد في القلوب من ألوية الولاء والبراء، ولو انتصارا لمقالات باطلة وأهواء حادثة، فيظهر من صور القتال بالأبدان: فرقان ما بين قتال الأنبياء وأتباعهم بسيف العدل، وقتال أعدائهم بسيف الجور، وتاريخ الحروب النصرانية، كما تقدم، خير شاهد على إفساد سيف الجور، وهو أمر لا زلنا نرى آثاره الغائرة في جسد البشرية الحائرة، وخير شاهد في المقابل على إصلاح سيف العدل الذي نزل عضدا للكتاب الهادي فأزال عروش الطغيان التي تحول بين الناس وبين الإيمان.

فاجتمع لكل مكلف في هذا القلب الذي لا يسكن حسا ولا معنى، فلا تسكن عضلته الجسدية الكثيفة ولا تسكن حركته العقلية اللطيفة، اجتمع له تصور وإرادة يقابلها في الخارج: حركة عملية بأجناس من الأقوال والأعمال تصح بصحة العقد العلمي والإرادة العملية، وتفسد بفسادهما.

فمادة التقلب بتغير الأحوال والمؤثرات الخارجية التي توقع لا محالة جملة من التغيرات الداخلية مما يحمل المكلف على حراسة جوارحه من المحرمات وحراسة خواطره من الأماني الباطلات.

ثم جاء التشبيه التمثيلي بانتزاع صورة مركبة هي مئنة من الضعف وسرعة التقلب، فتلك صورة محسوسة انتزعت في مورد التشبيه لصورة معقولة هي صورة القلب بما يعتمل فيه من تصورات وأحاسيس تقلبه كما يقلب ورق الشجر في مهب الريح.

وكم كانت قلوب حاضرة برسم الرسوخ ثم فتنت بجاه أو رياسة أو منصب في دولة من دول الجور فغابت عن الحق، فكان المنصب أثر المكر الإلهي بصاحبه فبه استخرج الرب، جل وعلا، في عالم الشهادة، ما قضى به عليه في عالم الغيب أزلا من الضلال فذلك عدله فيه وحكمته بأن علم من فساد محله ما يلائم مادة الضلال التي ألقاها في قلبه فرسخ حينا ثم زلزل مع ورود فتنة الدنيا، فذلك من أظهر صور تقلب القلوب في زماننا وهو ما يجعل المكلف على حذر بل رباط على ثغور قلبه لئلا تنفذ الدنيا بزخرفها إلى حمى قلبه فيصيبه من شؤمها ما يفسد نيته وعمله، وذلك أمر عسير لا يوفق إليه إلا مسدد، ولا يناله إلا من داوم الدعاء بالثبات حتى لقاء الرب جل وعلا على الإسلام والسنة.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير