تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وجل، عظيم، فـ: (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ)، ومع ذلك لا ينفك من قام بواجبه عن أثر ظاهر في حياته لشؤم القعود العام عن القيام بواجبات الدين عموما ونصرة المؤمنين خصوصا فالعقوبات الكونية كما تقدم في مواضع سابقة لا تنزل إلا برسم العموم ومن ثم يفد الجميع على الباري عز وجل فهو الذي يحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون فيوفي العامل أجره ويعاقب القاعد بعدله أو يعفو عنه بفضله إن كان له توحيد صحيح ولو في الجملة فلا يحكم على من معه أصل الإيمان بالخلود في العذاب.

والشاهد أن الخبر الذي يدل على علو شأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتنامي قوة دولته يكون متأخرا في الترتيب، فيكون ناسخا للخبر الذي يدل على ضعف الجماعة المؤمنة فذلك مما استعمله الأصوليون في الترجيح بين الأخبار المتعارضة إذا تعذر الجمع بينها.

فإن كانت تلك الأمور جائزة في شرع من قبلنا فكانت طرائق الزهد بالزمام والخزام ....... إلخ في زهادهم ظاهرة، فإن ذلك لا يلزم منه استحباب بل مشروعية ذلك في حقنا، بل قد جاء النهي صراحة بنفي تسلط على جملة من النكرات فأفاد العموم، وذلك آكد، كما تقدم، في تقرير المعنى من النهي الصريح، فضلا عن الإطناب بتكرار أداة النفي فهو، أيضا، مئنة من التوكيد بتكرار اللفظ تقريرا للمعنى.

والإسلام دين كامل جمع من شرائع الماضين: جلال الشريعة الموسوية وجمال الشريعة العيسوية، فنفى غلو يهود في الماديات الكثيفة وغلو النصارى في الروحانيات اللطيفة، مع أن الواقع في زماننا شاهد بمادية مفرطة في سلوك النصارى لا سيما بعد هبوب رياح العلمانية في أوروبا وفي الشرق مهد الرسالات التوحيدية التي فطر الناس على قبول آثارها النافعة، فـ: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)، فالتوحيد الآن في خندق تحاصره مقررات العلمانية الملحدة وبقايا كهنوت الديانة المثلثة، فضلا عن عداء يهود أصحاب الكتاب الأول فهم أشد الناس عداوة للمؤمنين من لدن بعث النبي الخاتم من غيرهم، فـ: (لَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ). فكل قوى الشر سواء أكانت برسم التدين الزائف أم الإلحاد الصارخ قد تواطأت مع اختلاف مقرراتها على حصار الدين الخاتم في خندق الاتهام بالتطرف والإرهاب ...... إلخ، فشنت عليه حملات فكرية وعسكرية منظمة اشتدت وطأتها في السنوات الأخيرة إيذانا بميلاد فجر جديد لدين التوحيد ولو أبت خفافيش الظلام من أرباب الديانات والمقالات الباطلة، وتلك سنة الرب، جل وعلا، في تدافع أتباع الرسالات وأعدائهم، فتزايد الضغط برسم: (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ)، مؤذن بقرب النصر: (أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ).

فلا زمام ولا خزام فتلك من الشعائر الظاهرة التي تدل على مسلك تعبدي جاء النهي الشرعي عنه لما فيه من غلو يورث السآمة، فذلك مقتضى الجبلة البشرية، فما غلا أحد في مسلك علمي أو عملي إلا وأصابه من ذلك من فساد الرأي والحكم ما أصابه، بل قد يورثه ذلك جفاء في حق من غلا فيه ابتداء، وكل جفاء يقابله ضرورة: غلو تظهر به فضيلة التوسط بين الطرفين، فالتعصب: غلوا أو جفاء: سمة رئيسة من سمات أصحاب المقالات الحادثة في الملل والنحل، فملة الأنبياء عليهم السلام: التوحيد، وملة غيرهم وإن أظهروا الانتساب إليهم: التشريك بتثليث ونحوه فهو مما ينقض أصول الفطرة التوحيدية الأولى نقضا، والتشريك لا ينفك ضرورة عن: غلو في المخلوق بنعته بما لا يكون إلا للخالق جل وعلا، وجفاء يقابله في حق الخالق، تبارك وتعالى، بسلبه ما تفرد به من كمال الذات والوصف والفعل إيجادا وتدبيرا، ومنحه لمن لا يستحقه من الخلق العاجزين عن تدبير أنفسهم فضلا عن تدبير غيرهم: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ). فذلك من صور الغلو العلمي الذي يصيب صاحبه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير