"قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: السِّيَاحَةُ فِي الْأَرْضِ لَا لِمَقْصُودٍ وَلَا إلَى مَكَان مَعْرُوفٍ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَقَدْ رَوَيْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لَا رَهْبَانِيَّةَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا تَبَتُّلَ وَلَا سِيَاحَةَ فِي الْإِسْلَامِ} وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مَا السِّيَاحَةُ مِنْ الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ، وَلَا مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّينَ وَلَا الصَّالِحِينَ، وَلِأَنَّ السَّفَرَ يُشَتِّتُ الْقَلْبَ فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ يُسَافِرَ إلَّا فِي طَلَبِ عِلْمٍ أَوْ مُشَاهَدَةِ شَيْخٍ يَقْتَدِي بِهِ". اهـ
والشاهد أن هذه الصور إنما ورد التنويه بها بعينها، وإن كان المعنى العام يعمها وغيرها، لأنها مظنة التقليد والمحاكاة من غلاة المتزهدة من الإسلاميين، وقد ظهرت بوادر ذلك في عصر النبوة، فجاء الثلاثة، فحسم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مادة الغلو: "أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".
فعموم النهي ينصرف بداهة إلى كل صور الغلو في كل عصر أو مصر، فلم تزل المحدثات تظهر تترى، واحدة بعد أخرى، فمعنى النهي العام يحسم مادتها جميعا دون النص على أفرادها فردا فردا، وذلك أمر مطرد في كليات الشريعة الجامعة، وهو مئنة من عظم وعائها الذي استوعب الأحكام والنوازل بأنواعها وإن لم يستوف أفرادها فليس ذلك مما يحسن في شريعة أوتي صاحبها صلى الله عليه وعلى آله وسلم جوامع الكلم فيجمع في كلمات يسيرات معان عديدة، فالإطناب بذكر أحكام الجزئيات تفصيلا ينافي إجاز الوحي في إيجازه الجامع، فألفاظه وجيزة ومعانيه فسيحة فتتسع دائرتها لتعم كل ما يجد للمكلفين من نوازل.
فلا شيء من ذلك في الإسلام، فيحمل ذلك على الإيجاز فتقدير الكلام: لا شيء منه في دين الإسلام، أو: لا شيء منه في أحكام دين الإسلام، أو: لا شيء منه فيما شرع في دين الإسلام من وجوه القرب واجبة كانت أو مستحبة ....... إلخ، فليست من دين الإسلام في شيء، وإن وقعت من كثير من الإسلاميين فليس فعلهم حكما على الشريعة، بل الشريعة هي الحاكمة على أقوالهم وأفعالهم فليس في هذا الدين رجال دين يشرعون كيفما شاءوا بما يظهر لهم من هوى العقل أو وجدان الذوق، أو رؤيا المنام ...... إلخ من مصادر التلقي المتهافتة، فيعدل المقلد الجاهل عن أحكام النبوة معدن الصدق والعدل برسم العصمة إلى أحكام عقول وأذواق رهبان قد فسد دينهم بنقض أصل التوحيد، فكيف يرجى من الفرع خير وقد فسد الأصل الأول؟!، فليس في دين الإسلام إلا علماء يؤخذ من أقوالهم ويرد من لدن الصديق، رضي الله عنهم، أرسخ رجال الأمة علما وأكمل شيوخها عملا وسمتا، ومع ذلك لم يسلم أهل العلم له في كل قول وحال، كما أشار إلى ذلك ابن عقيل، رحمه الله، بل قد قال الصديق، رضي الله عنه، حسما لمادة الغلو فيه: "فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني"، فكيف بمن دونه؟!.
والله أعلى وأعلم.
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[04 - 11 - 2010, 06:51 م]ـ
جزاك الله خيرا أخي مهاجرا
أنت دائما متألق ونافع ومفيد
فعلا نحن أمة وسط في القصد والعدل، والحسن والفضل، في العبادة والطاعة، وكذلك رسولنا يصوم ويفطر ويصلي وينام ويتزوج النساء، صلى الله عليه وسلم، فلماذا نرغب عن سنته ولا نرغب في سنته؟!
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[04 - 11 - 2010, 10:19 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
الأستاذ الفاضل: مهاجر
جزاك الله خيرا، مقال بلاغي قيم، ومعلومات مفيدة، ولقد قرأتُ طرفا منه، وسوف نحاول تكملة قراءته حتى تكتمل الافادة، بارك الله في علمكم، وجعل الله ما كتبتم في موازين حسناتكم يوم تلقونه، وكتب الله لكم الأجر والمثوبة / اللهم آمين