تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أو نقيضه من الباطل معدنه وحي الشيطان، فـ: (إِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)، فإن أطعتموهم فسلكتم مسلكهم الباطل في مقابلة النص الصحيح بالقياس الفاسد، فقستم ما يلقى حتفه بقدر الله، عز وجل، على ما يذبحه الإنسان باسم الله، فعلام تحريم الأول وإباحة الثاني، وذبيحة الرب أولى بالحل من ذبيحة العبد؟!، فإن فعلتم ذلك فعارضتم المنقول القطعي الصحيح بالمعقول الظني بل الفاسد الردي، فقد وقعتم في الشرك بتقديم حكم غير الله، على حكمه، فذلك من الشرك في منصب التشريع وهو من أخص وظائف الربوبية فلا يتصور وقوع الشراكة فيه فضلا عن المنازعة بتقديم غيره وابتغاء ضده: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ).

فجاء البديل، كما أشار إلى ذلك صاحب "اللسان" نقلا عن ابن الأثير رحمه الله في معرض حكايته صورا من الغلو الذي وقع فيه الرهبان: "حتى إِنَّ منهم مَن كان يَخْصِي نَفْسَه ويَضَعُ السِّلسلةَ في عُنقه وغير ذلك من أَنواع التعذيب فنفاها النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم عن الإِسلام ونهى المسلمين عنها وفي الحديث: "عليكم بالجهاد فإِنه رَهْبانِيَّة أُمتي" يُريد أَنَّ الرُّهْبانَ وإِن تركوا الدنيا وزَهِدُوا فيها وتَخَلَّوْا عنها فلا تَرْكَ ولا زُهْدَ ولا تَخَلِّيَ أَكثرُ من بذل النفس في سبيل اللّه وكما أَنه ليس عند النصارى عَمَلٌ أَفضلُ من التَّرَهُّب ففي الإِسلام لا عَمَلَ أَفضلُ من الجهاد ولهذا قال ذِرْوة سَنامُ الإِسلامِ الجِهادُ في سبيل اللّه". اهـ

فرهبانية الإسلام إيجابية نافعة، ورهبانية النصرانية، وإن اشتركت مع رهبانية الإسلام في معنى الزهد العام إلا أنها سلبية ضارة، تضر صاحبها بما يلحق بدنه من صنوف الأذى بلا فائدة، فليست كجنس الآلام والجراحات التي تصيب رهبان الإسلام في ميادين الجهاد، فهي مما تظهر به أعلام الملة الخاتمة، وينصر به الكتاب الهادي، فأي إيجابية ونفع أعظم من ذلك، وأي مشاركة في دنيا الناس بإيصال النفع إليهم فلا أعظم من انتفاعهم بالوحي الذي يؤيده الراهب الإسلامي بسيفه الشرعي، في مقابل عزلة الراهب النصراني فلا ينتفع به خاص أو عام.

والشاهد أن: الغلو عادة ما يكون في هجر الشهوات المحسوسة من مطعوم، كما تقدم، ومنكوح فالتبتل يقتضي الامتناع عن إتيان النساء، فمادة "بتل" كما ذكر صاحب "اللسان" رحمه الله مئنة من القطع، فالمعنى الكلي يعم صورا منه: محسوسة أو معقولة، مشروعة، كالتبتل في قوله تعالى: (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا) فهو الانقطاع إلى العبادة برسم الإخلاص وهو مئنة من انقطاع طمع العابد في جاه أو رياسة فالإخلاص يقطع مادة الشرك الظاهر أو الخفي من القلب، دون غلو في أمور المعاد بالفعل، وجفاء في أمور المعاش بالترك والهجر، وغير مشروعة كالامتناع عن النكاح، فالتبتل كما يقول صاحب "اللسان" رحمه الله: "ترك النكاح والزهدُ فيه والانقطاع عنه"، وذلك مما قد جاء النهي عنه صراحة، كما قد أثر عن سعد رضي الله عنه فـ: "لقد ردَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التَّبَتُّل ولو أَحَلَّه لاخْتَصَيْنا".

والسياحة في الأرض بغير هدى مسلك آخر من مسالك هجر الدنيا بلا طائل، فالسياحة إنما تكون نافعة إذا كانت برسم: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)، فالسير في الأرض ذريعة إلى قياس صحيح يتعظ به كل مكذب بالنبوات فسيلحقه ما لحق أمثاله من المكذبين إن أصر على تكذيبه فهو علة الحكم بالإهلاك فيدور معها وجودا وعدما بمقتضى القياس الصحيح الذي يحصل في الذهن بالسياحة النافعة في الأرض، فـ: (إِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)، أو برسم طلب العلم النافع، فـ: "من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة".

فال في "الآداب الشرعية":

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير