تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المخاطب فضلا عن محلية الرسالات السابقة، فجاءت الرسالة الخاتمة ببيان كلي لأصول وفروع الديانة، رفع كل إجمال وأزال كل إشكال، فـ: "لقد جئتكم بها بيضاء نقية ولو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي"، فاستعير البياض الحسي وهو مئنة من وضوح الرؤية، للبياض المعنوي فوضوح أخبار وأحكام الرسالة الخاتمة أمر ظاهر بل قد سلم به المخالف فليس ثم في دين الإسلام نقل شرعي يحتج به إلا ما كان رجال إسناده على الوجه المرضي، فلهم من كمال العدالة والضبط ما يوجب قبول خبرهم وتصحيح نقلهم، فضلا عن نقل الكتاب العزيز: حجة الإسلام الأولى، ففيه من الأخبار اليقينية الصادقة والأقيسة العقلية الباهرة فحجتها صحيحة سالمة من المعارضة، فيه من ذلك ما يقطع بداهة بصحة نقله وصحته في نفسه فقد قامت به الحجة الرسالية على عموم البرية برسم العموم المحفوظ، فـ: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) إلا ما كان من تخصيص بنحو قوله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا)، وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "أربعة يحتجون يوم القيامة رجل أصم ورجل أحمق ورجل هرم ورجل مات في الفترة"، وليس ثم في دين الإسلام: استدلال باطل بقياس عقلي فاسد يعارض الحجة الرسالية الصحيحة فضلا عن معارضته للأصول العقلية الصريحة، فتعاضد أدلة الشرع المنزل والعقل المسدد أصل عظيم يستمسك به في مضايق الاستدلال، فلا يسلم الاستدلال حتى يكون نقل الخبر صحيحا وقياس العقل الذي ينظر به المستدل صريحا، وطرائق الاستنباط معتبرة ولا تكون كذلك إلا بإتقان طرائق اللسان العربي في أداء المعاني بألفاظ تتراوح حقائقها بين: الشرع فهو العمدة في الاستدلال في الشرعيات، فالشرع قد أخذ من اللسان حقيقة مطلقة فقيدها بصورة معهودة في الوحي هي فحوى التعريف الاصطلاحي للحقائق الشرعية فلكل حقيقة شرعية في كتب المصنفين: تعريف لغوي يدل على الحقيقة المطلقة، وتعريف اصطلاحي يدل على الحقيقة المقيدة بما زاده الشرع من قيود في هيئات العبادات وماهية المعاملات والسياسات وحدود الأخلاق والزهديات، فتراوح الحقائق بين: الشرع فهو العمدة في هذا الباب، والعرف، فالعرف كالشرع يقيد حقيقة اللفظ المطلق وإن أتى بعده في الحجية والاستدلال فلا يسبق العرف الشرع في حد الحقائق إلا ما لم ينص الشرع على حده كحقائق السفر ونحوه، فحقيقة السفر تتفاوت بتفاوت الأعراف فما عد في عرف قوم سفرا لم يعد في عرف غيرهم لاختلاف الأعصار والأمصار فلا يحد المعنى بقيد مخصوص لعدم النص عليه، بل يرد الأمر إلى العرف فهو الذي يفصل النزاع في بيان هيئات ومقادير ما لم ينص الشرع عليه من حقائق الأسماء التي يكثر تداولها بين الناس، واللغة فهي آخر ما يلجأ المستدل إليه فدلالة اللفظ المعجمية: دلالة مطلقة، تدل على ماهية مجردة، فالصلاة في اللغة: مطلق الدعاء، فتلك ماهية مجردة حدها الشرع بماهية الصلاة المعهودة، فلا يعدل عن الماهية الشرعية المقيدة التي دل النص الصحيح عليها إلى الماهية اللسانية المطلقة إلا بقرينة مرجحة كما قد عدل عن الصلاة الشرعية إلى الصلاة اللغوية في نحو قوله تعالى: (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ)، فلم تشرع صلاة شرعية على المتصدق، وإنما شرعت صلاة لغوية بدعاء بالرحمات الآجلة والبركات العاجلة. فحصل بهذا البيان الوافي بـ: شرع محفوظ، واستدلال معقول ولسان عربي مبين عن مراد المتكلم بما اختص به من سعة المباني اللفظية والمعاني الدلالية فمجمل ومبين، وعام وخاص، وظني وقطعي، وظاهر ونص ومفسر ومحكم، ومشترك لفظي وآخر معنوي، وترادف يقابل الاشتراك، ومطابقة وتضمن والتزام ........ إلخ، فذلك البيان المحفوظ برسم العناية الربانية، فـ: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، ذلك مما يلائم عالمية وديمومة الرسالة الخاتمة، فعمومها الزماني والمكاني قد استدعى بداهة توافر وسائل الحفظ للفظ المنطوق، والفهم للمعنى المعقول، وذلك، كما تقدم، مما أتيح للرسالة الخاتمة فنصوصها المعجزة بلفظها المتلو بالألسنة: محفوظة برسم التواتر، فذلك نقل الكتاب العزيز الذي لا يماري فيه إلا جاحد مسفسط منكر لبدائه العقول من

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير