تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

العلوم الضرورية، ونصوصها المعجزة بمعانيها فهي من جوامع كلام البشر وإن لم تتل برسم التعبد، نصوصها من كلام صاحب الرسالة صلى الله عليه وعلى آله وسلم محفوظة برسم التواتر العام لجملة الأخبار، والتواتر الخاص لنصوص بعينها، والظن الراجح الذي يرتفع بالقرائن المحتفة إلى درجة العلم النظري، فيفيد العلم والعمل معا كما قرر المحققون من أهل الأصول.

والشاهد أن السؤال هنا قد جاء عن ماهية الذنب الأكبر، في معرض الاستفسار، إرادةَ الاجتناب، فالسؤال عن الشر لا يراد لذاته، بل يراد لاجتنابه، فـ:

عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه

ومن لا يعرف الشر من الناس يقع فيه

وتلك فحوى طريقة حذيفة رضي الله عنه فـ: "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني".

ولم يرد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: استغراق أفراد الكبائر في هذا السياق، فقد نص على كبائر غيرها في نصوص أخرى من قبيل: "اجتنبوا السبع الموبقات. قيل: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات"، فصدر سياق كل منهما بالشرك، فهو أعظم الذنوب بالإجماع، فلا تدل الأحاديث على حصر أعيان الكبائر فسياقها غير حاصر بلفظه أو معناه، وإن حصل التنويه بجملة منها بإفرادها بالذكر فذلك لا يعني تخصيص العموم بها، فذكر بعض أفراد العام في معرض التعريف بالتمثيل لا يخصصه، فيعرف منها: أجناس الكبائر وأكبر الكبائر، كما أشار إلى ذلك في "مختصر منهاج القاصدين" بقوله: "وقد اختلفت العلماء فيها على أقوال كثيرة، والأحاديث فى الكبائر لا تدل على حصرها فيها، ولعل الشارع قصد الإبهام ليكون الناس على وجل من الذنوب، لكن يعرف من الأحاديث أجناس الكبائر، ويعرف أيضاً الكبائر". اهـ

"مختصر منهاج القاصدين"، ص213.

كما لم يرد صلى الله عليه وعلى آله وسلم في تعريف الإيمان بخصال العمل قصره عليها فالسياق، أيضا، غير حاصر، بل قد جاء تعريفه في نص آخر بخصال العلم، فخص كل سياق بتعريف لقرينة الحال، واكتملت صورة الاستدلال بجمعهما فلا تعارض بينهما بل هما متوافقان متعاضدان فالعمل الظاهر تأويل العلم الباطن، وكذلك الشأن في النصوص التي أبانت عن جملة من الكبائر فليست حاصرة بلفظها أو معناها، كما تقدم، فتكتمل صورة الاستدلال بجمعها، وتلك طريقة المحققين من أهل العلم فلا ينظر في الشريعة برسم الانتقاء لجزء بل لا بد من نظر عام في كل نصوص الباب لتكتمل صورة الاستدلال، وإليه أشار البطليوسي، رحمه الله، في باب عقده في "الإنصاف" بعنوان: "في الخلاف العارض من جهة الإفراد والتركيب". اهـ

فيزول بحمل المجمل على مبينه فالصورة المركبة منهما تزيل إجمال الصورة المفردة.

فجاء الجواب على جهة الابتداء بمصدر مؤول: "أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ"، فدلالة "أن" وما دخلت عليه آكد في تقرير المعنى من دلالة المصدر الصريح، وفيه مزيد تقبيح لصورة الشرك بإيرادها مورد المضارعة فهي ذريعة إلى استحضار الصورة فذلك مما يزيد نفور العقل الصريح والفطرة السوية منها فهي مما ينقض أصول الإدراك العقلي والوجداني.

والجعل مئنة من الاتخاذ وفيه دلالة على التكلف فذلك مما يقطع العذر بتقصد الفاعل الفعل على وجه تعظم به الجناية ويقبح به الوصف.

ونكر "الند": مئنة من الإطلاق فمطلق الحقيقة مذموم، بغض النظر عن عين الند المتخذ برسم المساواة في المحبة مع الرب جل وعلا فـ: (مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ)، ولو كان شريف القدر، بل ولو كان ملكا مقربا أو نبيا مرسلا، فـ: (لَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، وذيل بالحال: "وهو خلقك"، فهي قيد في المعنى، وموقعها في اللفظ: فضلة، وفي المعنى: عمدة فهي دليل على بطلان ربوبية ما سوى الرب، جل وعلا، من الأرباب الباطلة، فالقيد بوصف الخلق يخرج ما سوى الرب، جل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير