تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعلا، من حكم الربوبية وما يلزم منها من الألوهية، فهو من أوصاف الرب جل وعلا الفعلية التي لا ينازعه المخلوق فيها بداهة، فذلك مما اختص به، جل وعلا، فهو الذي خلقك لا غيره فذلك وصف لا يقبل الشراكة، بل قد دل النقل والعقل على بطلان نسبته إلى غير الرب، جل وعلا، برسم السبر والتقسيم الذي أتى بالبطلان على المذكور ودل بداهة على المحذوف: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ)، فلم يبق إلا الاحتمال المحذوف لدلالة المذكور عليه فبه تستوفى القسمة العقلية الضرورية وهو: أنهم مخلوقون مربوبون لرب واحد له كمال الانفراد بمنصب الربوبية فلزمهم ضرورة إفراده بمنصب الألوهية. بل قد أقر به المشركون فـ: (لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ)، فلزمهم عقلا الإقرار بلازمه من توحيد الألوهية وإلا وقعوا في التناقض العقلي بإثبات الملزوم ونفي لازمه الذي يتفرع عليه ضرورة.

فنفي الندية يقطع مادة الغلو، فما وقع الغلو إلا فرعا على تصور فاسد قيس فيه المخلوق على الخالق، جل وعلا، غلوا فنسبت إليه جملة من الصفات الإلهية، أو الخالق على المخلوق جفاء فنسبت إليه، جل وعلا، جملة من الصفات البشرية وهي صفات نقص مطلق بمقتضى الجبلة التكوينية التي يظهر بها القدر الفارق بين وصف رب البرية، جل وعلا، فليس كمثله شيء، ووصف المخلوق برسم الحدوث والفناء وما بينهما من نقص ذاتي لازم هو مئنة من الفقر الذاتي اللازم لأعيان المخلوقات فبه يثبت بطلان ربوبيتها فلا يكون الرب الخالق بداهة فقيرا إلى سبب مخلوق حادث، بل هو الذي يخلق الأسباب بكلماته الكونية النافذة، ويجريها بسنن كوني محكم يدل على كمال انفراده بربوبية التكوين والتدبير، فخلق الأسباب المغيبة فـ: (لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ)، وخلق الأسباب المشهودة من مطعوم يقع به الشبع ....... إلخ.

ثم جاء النص على الذنب الثاني على جهة المصدرية المؤولة والمضارعة، أيضا، استحضارا لما تقدم من قبح الجناية والتئاما للسياق فكل المعرَّفات فيه قد عرفت على هذا الوجه من اللسان العربي:

"أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ": فالقتل مذموم ولكن أبشع صوره قتل الولد خشية أن يطعم مع أبيه فذلك أعظم صور القتل ظلما، وإن كان القتل كله ظلما، وقتله خشية أمر لم يقع بعد مئنة من لؤم الطبع وشح النفس التي خالفت ما جبل عليه البشر من حب الولد وإيثاره بكل محبوب مرغوب فيه من طيب المأكل والمشرب ...... إلخ، فضلا عن سوء الظن بالرب الرزاق جل وعلا، وقد جاء النص على تحريمه القطعي صراحة في التنزيل: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا)، فذلك المتوقع فقدم رزق المولود على رزق الوالد ليطمئن قلبه فلا يخشى استيلاده، و: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ): فذلك الحاصل، فقدم رزق الوالد على المولود.

ثم جاء النص على الذنب الثالث:

"أَنْ تَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ"

والزنى مذموم، ولكن أبشع صوره الزنى بحليلة الجار، وإضافة الجار إلى الضمير آكد في تقرير قبح الجناية فهو جار الفاعل فكان الأليق في الشرع والعقل حفظ حرماته لا انتهاكها، فذلك مما يأنف منه أصحاب المروءات وإن لم يكونوا من أصحاب الديانات.

وقد جاء الفعل في بعض الروايات على جهة المفاعلة: "تزاني" فذلك آكد في تقرير الجناية ففي المفاعلة نوع تقصد وتواطؤ على الفعل، وجاء في بعض آخر متعديا بألف المفاعلة والباء معا: "تزاني بحليلة" فيكون ذلك، أيضا، من قبيل التوكيد إمعانا في تقرير قبح الجناية فتعدى الفعل من أكثر من وجه، وذلك مئنة، كما تقدم، من كمال الترصد والتقصد.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير