تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يعم صورا شتى:

فتفريق بين خبر الوحي وقياس العقل وكلاهما، كما تقدم، من مشكاة واحدة، فمن أنزل الوحي بكلماته الشرعية هو الذي خلق العقل بكلماته الكونية فركز غريزة العقل في المكلف فهو آلة التكليف نظرا في نصوص الأخبار بقياس صريح يواطئ لزوما النص الصحيح، فالتعارض بينهما عين المحال، فيثبت من القياس في الأخبار ما أثبته الوحي من قياس الأولى، فـ: (لِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، وينفي ما نفاه من قياس التمثيل في الجزئيات وقياس الشمول في الكليات، فـ: (لَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، فالتلاؤم بين النفي والإثبات ظاهر فليس عين المثل المثبت للرب، جل وعلا، على جهة الاختصاص والتوكيد بتقديم ما حقه التأخير، ليس عين المثل المثبت هو عين المثل المنفي عنه، جل وعلا، برسم التنزيه، فتسلط النهي على المصدر الكامن في الفعل مئنة من العموم فـ: "لا تضربوا"، فذلك من النهي العام عن كل صور الفعل، فلا تضربوا له الأمثال، فـ: "أل" في: "الأمثال": جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه فتعم سائر الأمثال، على ما تقدم من دخول "أل" على الجمع فهو من صور العموم القياسية، وذلك عموم قد خص من وجه آخر بالمثل الأعلى، فيكون المثبت مخصصا لعموم النافي، والخاص بدلالته القطعية قاض على العام بدلالته الظنية، فيقيد المثل المنهي عنه بوصف مقدر، فلا تضربوا لله الأمثال الباطلة من أقيسة التمثيل بالمخلوق والشمول بإدراجه مع المخلوق في قاعدة عقلية واحدة فيسوى بين الخالق والمخلوق بتجويز جملة من الأحكام المتماثلة عليهما مع التباين العظيم بينهما، بل التباين بينهما، كما تقدم، أعظم صور التباين في الوجود، وفيه من الجفاء في حق الرب، جل وعلا، ما فيه!، بتسويته وهو الكامل برسم الإطلاق والديمومة أزلا وأبدا، مع المخلوق الحادث برسم النقصان المطلق والفناء العاجل، ففقر ذاته في حياته، وفسادها بعد مماته وصف ذاتي لازم له، يحصل بالنظر فيه بعين التدبر والاعتبار: التفريق الضروري شرعا وعقلا بين الخالق، جل وعلا، والمخلوق، وذلك، كما تقدم، من بدائه العقول التي عارضها من عارض من أصحاب المقالات الحادثة التي جوزت طروء وصف النقص على الذات القدسية، وذلك عين المحال الذاتي، وهو، كما تقدم في أكثر من موضع، مما احتج به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في معرض إبطال مقالة وفد نصارى نجران فأشار إلى جملة من أوصاف النقص الجبلي في ذات المسيح عليه السلام الذي غلا فيه القوم فصيروه إلها، أو صورة أرضية للإله، فهو الناسوت الذي تجسد فيه اللاهوت، مع كونه ناسوتا أرضيا محمولا في رحم امرأة مولودا من فرجها مفتقرا إلى لبنها، فيجري على صورته الطينية الكثيفة ما يجري على غيرها من أعراض النقص الذاتي اللازم، وهي، كما تقدم، مما لا يليق بذات الإله الكامل أو صفاته فذلك من ضرورات الشرع وبدائه العقل، فصورته الطينية الكثيفة يجري عليها وصف النقصان الجبلي، كما تقدم، وإن كانت صورته الروحية اللطيفة شريفة بل من أشرف أرواح البرية.

فلا تضربوا لله الأمثال برسم التمثيل أو الشمول، فذلك من التخرص والظن في باب مستنده الخبر فلا يدركه العقل بمداركه المحدودة، فلا عمل له في الغيب إلا إدراك المجملات التي تفتقر إلى بيان النبوات، فتلك آثار الميثاق الأول المركوز في نفوس البشر: فطرة توحيدية يولد عليها كل مولود، فيدرك العقل من ذلك: الإثبات المجمل لوصف الكمال والنفي المجمل برسم التنزيه، وتظل الحاجة قائمة إلى بيان النبوات فهو الرافع لإجمال تلك العلوم الضرورية، وتظل الحاجة إليه لنقويم ما اعوج من الفطرة فتلطخ من تلطخ من البشر بأوضار الشرك، أعظم صور الظلم شرعا وعقلا، فقد سوي فيه، كما تقدم مرارا، بين الخالق الكامل والمخلوق الناقص، وذلك أقبح صور التسوية الجائرة بين أعظم متباينين، فالتسوية بين مخلوق وآخر، كالتسوية بين الذكر والأنثى من كل وجه، برسم العدل المزعوم!، تلك التسوية مما ثبت قبحه في الشرع والعقل، مع كونها بين متماثلين في أصل الماهية فكلاهما مخلوق حادث من نوع واحد وإن اختلف الجنس الأدنى، فجنس البشرية الأعلى جامع لهما فقد

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير