تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تحقق معناه الكلي فيهما واختص كلٌ بقدر فارق هو الذي أوجب ذلك التفريق مع التماثل في النوع، بل لو اتحد الجنس الأدنى ما حسنت التسوية من كل وجه، فلا يسوى كونا وشرعا بين كل الذكور أو كل الإناث فلكل فرد من الأحكام الكونية جمالا وقبحا، وصحة ومرضا، وغنى وفقرا ..... إلخ، والأحكام الشرعية فلا يجب على الصغير ما يجب على الكبير، ولا يجب على المريض ما يجب على الصحيح وإن كان الأصل في التكليف الشرعي العموم فلا يثبت الخصوص إلا بدليل ناقل عن الأصل، فلكل فرد ما ليس لبقية الأفراد لاختصاصه بقدر فارق يحصل به التمايز بينه وبينهم، فلزم من الاختلاف في الوصف ولو اتحد الجنس: الاختلاف في الحكم الكوني والشرعي، وذلك أمر بدهي، فالتباين بين الأعيان والأحوال والأخلاق ..... إلخ سنة جارية في الكون، فقد خلقها الرب، جل وعلا، على صور شتى ليقع بينها بمقتضى سنة التدافع ما تظهر به آثار صفات جلاله قدرة وجماله علما وحكمة وتدبيرا لأمر المتضادات بل والمتناقضات، فذلك أبلغ ما يكون في الثناء على الرب، جل وعلا، بمحكم التقدير وبديع الصنع. فإذا كانت التسوية بين مخلوق حادث وآخر مثله من كل وجه أمرا قد ثبت قبحه وبطلانه في الشرع والعقل، فكيف بالتسوية الجائرة التي وقع فيها من جوز طروء وصف النقص البشري على ذات الرب العلي جل وعلا، وهل ذلك إلا من نقص العلم وضعف العقل وفساد النية، ففساد القوة العلمية هو الذريعة إلى ذلك، ولذلك حسن التذييل بعلة النهي عن ضرب الأمثال لله، عز وجل، فـ: (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، فحصل بالمقابلة بين العلم الثابت للرب، جل وعلا، على جهة المضارعة استحضارا للصورة فذلك آكد في تقرير المعنى فضلا عن التوكيد بتكرار المسند إليه ظاهرا: "الله" ومضمرا في عامله: "يعلم" فتقديره: "هو"، حصل بالمقابلة بينه وبين العلم المنفي عنهم، فهم عن العلم بحقائق الغيب معزولون فلا يعلمها إلا الرب، جل وعلا، حصل بتلك المقابلة تقرير للحكم ببيان علته، فذلك مما يرسخه في الذهن ويحمل النفس على قبوله تصديقا بنصه وامتثالا لأمره أو نهيه.

وتفريق بين خبر وآخر، فيجرى الأول على ظاهره ويؤول الثاني وهو من جنسه فالقياس يقتضي التسوية في الحكم فرعا على التسوية في الوصف.

وتفريق بين الخبر والحكم، فيمتثل الحكم ويؤول الخبر كما قد وقع من المتكلمين في أصول الدين في الزمن الماضي.

وتفريق بين الأحكام، برسم: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ): فتقبل أحكام وترد أخرى لمعارضتها لأهواء أو أذواق المحكومين فقد نازعوا الرب، جل وعلا، منصب التشريع فراموا نيل وصف الحاكم أنفة من وصف المحكوم بلجام الشرع فخرجوا من أشرف عبودية وحكم، فصاروا محكومين بلجام هوى وذوق فلان وفلان من أرباب الشرائع الحادثة والأحكام الباطلة! كما قد وقع من العلمانيين في الماضي القريب والحاضر الأليم.

والشاهد أن من جوز التسوية بين المختلفين من أصحاب المقالات الباطلة والأقيسة الفاسدة فقد جوز طروء وصف النقص على الرب، جل وعلا، مع ادعاء أصحابها كمال التوحيد والتنزيه!، وقد وقع بذلك في عين التشبيه بل التمثيل بل الحلول والاتحاد لذات الرب، جل وعلا، بذوات مخلوقة حادثة، وإن شرفت أقدارها، كذات المسيح عيه السلام فمنشأ الانحراف: غلو في المخلوق بخلع صفات الكمال المطلق عليه، أو جفاء في الخالق، جل وعلا، بنزع صفات كماله أو تجويز طروء وصف المخلوق الحادث عليه، وذلك أمر يعم الوصف والحكم، فمن عارض أوصاف الرب، جل وعلا، بأوصاف المخلوق بتجويز التسوية بينهما في الحقيقة، ففساده في العلم أظهر، هو كمن عارض حكم الرب، جل وعلا، بحكم المخلوق فجوز لبشر وصفه الحدوث والنقص في الذات والوصف جوز له أن يضع من الشرع الحادث ما يعارض به الوحي النازل، ففساده في العمل أظهر، ولا ينفك الفساد في العلم عن فساد في العمل فهو أثره في الخارج، كما لا ينفك الفساد في العمل عن فساد في العلم فهو منشأه في الباطن، فالتأثير المتبادل لكليهما: لازم عقلي ضروري، فاذا اجتنب المكلف ذلك الناقض الصريح لضرورات الشرع وبدائه العقل فقد سلم من التناقض والاضطراب، فيسوي بين المتماثلين برسم: (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير