تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) فذلك مما يحصل به الاعتبار بقياس النظير على نظيره، فـ: (كُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)، فتحصل العظة والذكرى بطرد ما وقع في حق الأولين في حق الآخرين إن ساروا على طريقتهم في التكذيب وبعكسه إن ساروا على ضد طريقتهم فكانوا على التصديق، ويفرق بين المتباينين برسم: (آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ)، فذلك من الإنكار الإبطالي للتسوية بين الخالق، جل وعلا، والمخلوق، فلا خير في معبوداتهم ابتداء وإنما جيء بالتفضيل في الخيرية: تنزلا مع المخالف فما أشرك إلا لظن فاسد توهم به خيرا عاجلا أو آجلا في تلك المعبودات الباطلة.

فإذا حصل ذلك: حصلت التقوى العلمية فانكفت نفسه لزوما عما يسخط من له ذلك الوصف الجليل برسم الانفراد فلا ند له ولا شريك، فتحصل التقوى إن كان العلم حقيقة فاعلة، فظهر تأويله في الخارج بامتثال الأمر واجتناب النهي، لا محض تصور علمي في الذهن تقام به الحجة الرسالية دون حصول أثرها من لزوم الطريقة الشرعية التي يحصل بلزومها الصلاح في الأولى والنجاة في الآخرة.

فالتقوى العملية أثر لازم للتقوى العلمية، فالأمر بالتقوى في الحديث يعم كلا النوعين، كما أن التقوى تعم: تقوى الله باجتناب ما نهى عنه من المحرمات، وتقوى عذابه فهو أثر صفات جلاله، وتقوى اليوم الآخر فهو الظرف الذي يقع فيه من تأويل آثار صفات الجلال ما يقع فـ: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ)، و: "إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله" فذلك تأويل وصف جلاله غيرة على حرماته التي انتهكت وأعظمها التوحيد الذي ينتهك المشرك حماه بما يقع فيه من صور الظلم الفاحش بالتسوية، كما تقدم، بين الرب الكامل، جل وعلا، والمخلوق الناقص.

فـ: اتق الله حيثما كنت: فذلك من العموم المكاني، الذي يدل لزوما على العموم الزماني فمن اتقى الله، عز وجل، في كل مكان اتقاه، بداهة، في كل زمان، فيكون ذلك من صور الإيجاز في اللفظ بالاكتفاء بذكر الملزوم فهو دال بضروة العقل على لازمه.

وأتبع السيئة الحسنة تمحها: فذلك من تأويل التقوى بمعارضة السيئات بالحسنات الماحيات فهي من جملة المكفرات التي تذهب عين وأثر السيئة برسم: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)، فاستعيرت صورة المتابعة الحسية التي تدل على نوع مسارعة في الفعل فيتبع المكلف الحسنة السيئة، لتمحوها، كما يتبع الماء القذر ليزيله، فاستعير المحو الحسي للمحو المعنوي، فذلك، أيضا، من جنس استعارة المحسوس للمعقول فبه يحصل كمال التصور للمعنى.

وخالق الناس بخلق حسن: فالمفاعلة مئنة من المكابدة فلا يصبر على مخالقة الناس بالخلق الحسن كل أحد مع ما يصيب المخالط لهم من صور الأذى التي تحمل كثيرا من البشر على العزلة فتحسن في حق من لا يصبر على أذى الناس فخير له الاعتزال بشرط الفقه أولا والمخالطة في كل ما فيه نفع ديني أو دنيوي معتبر تصلح به حال المكلف في الأولى والآخرة فذلك مراد الشرع الأول، فما نزلت الشرائع إلا لإصلاح دين ودنيا الخلائق.

فخالقهم بخلق حسن هو أيضا من التأويل العملي لمعنى التقوى العلمي، فيكون ذلك من قبيل عطف اللازم العملي المصدق في الخارج على الملزوم العلمي في الباطن.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير