تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ)، فلهم من الإمامة القدح المعلى ولمن جاء بعدهم من أهل الصدق والولاية والعلم قدح عال لا يضارع قدحهم فالنبوة مرتبة شريفة لا طمع في دركها لمن حجب عنها من عامة البشر فلم يصطف الرب، جل وعلا، لها إلا خاصة الخاصة بل قد اصطفى بعضهم اصطفاء خاصا، فـ: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)، وإن اشترك الجميع في قدر النبوة المشترك، بل قد اختص آحاد منهم بمرتبة "أولي العزم"، فهم أفضل الخلق على الإطلاق، فكل عقل عزلت النبوة عن إفتائه في النوازل الخبرية أو النوازل العملية من شهوات ترد على مدارك الحس باطنا وظاهرا فتفسد قوى الإرادة والعمل، ولا ينفك فسادها غالبا عن تعد إلى القوى العلمية، فأصحاب الشبهات لا ينفكون غالبا عن شهوات تفسد ظاهرهم ليلائم باطنهم، فالاقتران بينهما صحة أو فسادا أمر بدهي، فهو، كما تقدم مرارا، من جملة العلوم الضرورية فالحس يدرك من آثار ذلك ما يجعله يجزم بصحته واطراده، فقل بل ندر بل ربما عدم أن يفسد الباطن ولا يقترن فساده بفساد الظاهر، فالفرع على أصله يبنى، كما يقول علماء الأصول في حد الفرع، وذلك أمر يعم الفروع العلمية والفروع العملية، المعقولة والمحسوسة، وكذلك الشأن في أصحاب الشهوات فقل أن تفسد قوة العمل إلا ويصير صاحبها فريسة يسيرة المنال لوساوس وشبهات الشياطين من الإنس والجان فتتسلط عليه لإفساد قواه العلمية ما لا تتسلط على غيره ممن سلموا من شؤم معاصي الجوارح، فمحله قد ضعفت مناعته الإيمانية بالتعرض لجراثيم الشر، فصار عرضة في ظاهره لأي مرض شهوة، وفي باطنه لأي مرض شبهة، وهما، كما تقدم، مما قد ثبت فيه التلازم بدلالة الشرع والعقل والحس.

فله، جل وعلا، العلو المطلق، وله العلو المقيد بالاستواء على العرش فالاستواء وصف فعلي يتعلق بالمشيئة الربانية النافذة، فاستوى على أعظم المخلوقات بأعظم الصفات، فـ: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)، فاستوى استواء يليق بجلاله، فلا يفتقر إلى خلقه بل هم المفتقرون إليه ليقيم أودهم فهو القيوم قد قام بذاته القدسية التي قامت بها الصفات العلية ذاتية كانت أو فعلية، فلا يتصور في حقه نقص أو حاجة توجب افتقاره إلى سبب خارج بل الأسباب هي التي تفتقر إليه فهو خالقها ومجريها على سنن كوني محكم هو مئنة ظاهرة من نفاذ القدرة فقدر السبب أزلا، وقدر له ما يلائمه من قوى التأثير، وقدر له ما يلائمه من نفاذ حكمه إذا قضى الرب، جل وعلا، به، قضاء ثانيا في عالم الشهادة بعد القضاء الأول في عالم الغيب، فقضاء التكوين تأويل قضاء التقدير، فيقع التكوين كما قد قدر في الأزل بلا زيادة أو نقصان فيحصل من التواطئ بين القدر الأول علما وكتابة، والقدر الثاني: مشيئة وخلقا، يحصل به علم ضروري في نفس كل مكلف بمراتب القدر التي تدل على كمال انفراد الرب، جل وعلا، بمنصب الربوبية العامة، فله العلم المحيط والحكمة البالغة في الخلق: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ): فالتلازم بين العلم والخلق تلازم وثيق، فلا يكون خلق تقديري في عالم الغيب، أو خلق إيجادي في عالم الشهادة إلا بعلم محيط بالدقائق فهو الذي: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، فذلك قدر زائد على العلم، فله العلم العام برسم الإحاطة، ومن لوازمها أن يثبت له ضرورة شرعية وعقلية: العلم الخاص بالدقائق فهو الخبير بها الحكيم الذي أتقن صنعها، وأحكم سننها فلا تحول لذرة في هذا الكون إلا بقوة الرب، جل وعلا، فيقدر لها التحول، وييسر لها السبب، ويجريه على ما قد أحكم من سنن الكون، فاللقمة لا تتحول إلى دم ولحم وعظم وعصب إلا بعد سلسلة من العمليات الكيميائية الحيوية المعقدة وفق جملة من السنن الكونية المحكمة، فلا بد من نضجها في المعدة بما ركز الرب، جل وعلا، فيها من قوى الهضم فبحرارة التفاعلات التي تفرز فيها جملة من الإنزيمات والعوامل الحفازة، بتلك الحرارة الفاعلة تنضج اللقمة فينهدم بنيانها المعقد إلى مواد أولية بسيطة يسهل على الأمعاء امتصاصها ولفظ ما لم تقو المعدة على طبخه، فيحصل بذلك التمايز بين لذة دار عاجلة لا تنفك عن وجه بل وجوه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير