تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الدُّنْيَا مِنْ الْكُفَّارِ فَيُقَالُ اغْمِسُوهُ فِي النَّارِ غَمْسَةً فَيُغْمَسُ فِيهَا ثُمَّ يُقَالُ لَهُ أَيْ فُلَانُ هَلْ أَصَابَكَ نَعِيمٌ قَطُّ فَيَقُولُ لَا مَا أَصَابَنِي نَعِيمٌ قَطُّ".

فـ: نعمتان فتلك نكرة سوغ الوصفُ الابتداء بها، وقد أطنب في الوصف: مغبون فيهما كثير من الناس، فذلك آكد في شحذ الأذهان واسترعاء الانتباه فلا يخلو السياق الخبري من دلالة إنشائية تحذيرية، فمآل الخبر إلى الأمر إرشادا، فـ: احذروا الغبن الذي وقع فيه أكثر الناس، فالأكثرية في نصوص الوحي مظنة القدح في الوصف والذم في الحكم فـ: (مَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)، فاحذروا الغبن الذي وقع فيه أكثر الناس في الصحة والفراغ، وقد فسره بعض أهل العلم بالتقصير في أداء حقها فذلك من الغبن الظاهر، وقد استعير الغبن في المحسوسات للغبن في المعقولات، فالغبن في الصحة والفراغ أمر معنوي وإن وجد المغبون أثره الحسي في شؤم يصيبه بالتفريط في أيام صحته وفراغه، فذلك من شؤم مخالفة الشريعة فلم يتأول قول ابن عمر رضي الله عنهما: "وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ"، فاليوم صحة وغدا مرض، واليوم فراغ وغدا شغل، والموفق نادم على ما قد ترك فكيف بندم المفرط على ما قد هجر من أجناس الصالحات واجبة كانت أو مستحبة؟!.

ثم جاء البيان عقيب هذا التشويق بتوشيح فإطناب في وصف النعمتين زاد المخاطب تلهفا على معرفتهما، فهما: الصحة والفراغ، فـ: "أل" في كليهما لبيان الماهية، فهي جنسية بيانية للماهية من قبيل "أل" في قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ). وهي من وجه آخر تجمع أوصاف الصحة التي تنصرف بداهة إلى صحة البدن ولكنها تتعدى بالنظر في أحوال الناس إلى صحة النفس من مرض الهم والحزن الذي أقعد كثيرا من الأبدان الصحيحة بل قد قامت أبدان عليلة فظهر من صلاحها شيء عظيم لما صلحت الروح فعوضت نقصها، فجاءت بما لا يقدر كثير من الأسوياء على الإتيان به بل لعلها لو كانت سوية ما صنعت ذلك، فكان الابتلاء بمرض البدن في حقها نعمة بالنظر إلى آجل أمرها، وذلك من تدبير الرب، جل وعلا، الخفي اللطيف لعباده، فيختار لهم ما يظنونه شرا فإذا هو عين الخير والمصلحة ولا يدرك ذلك غالبا إلا بعد فوات أوان الشكر فيسخط العبد على المقضي ثم تمضي سنون فإذا ما قد سخط عليه بالأمس هو سبب ما فيه من خير وصلاح اليوم!. فتكون استغراقية لمعاني الصحة فتعم الباطن والظاهر، والصحة المعقولة بالسلامة من آفات الشبهات العلمية المفسدة للقلب والشهوات العملية المفسدة للسان والجوارح، والصحة المحسوسة بسلامة البدن من الآفات الظاهرة، وكذلك الشأن في الفراغ فـ: "أل" فيه تبين ماهيته وتعم أوقاته التي لا يندم عليها الإنسان، أيضا، فيدرك قيمتها إلا بعد فوات الأوان بمضي سني الشباب ووفود سني الكهولة فالشيخوخة.

والله أعلى وأعلم.

ـ[أنوار]ــــــــ[13 - 11 - 2010, 10:20 ص]ـ

بوركت جهودكم أستاذنا المهاجر ..

ولكم جزيل الشكر على انتقاءاتكم الراقية.

ـ[يحيى عيسى الشبيلي]ــــــــ[13 - 11 - 2010, 05:32 م]ـ

بوركت وجزيت خيرا

ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[13 - 11 - 2010, 09:40 م]ـ

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:

الأستاذ الفاضل: مهاجر

جزاك الله خيرا، مقال بلاغي قيم، يحمل مواعظ بليغة، ونصائح ثمينة، بارك الله في علمكم، وجعله الله في موازين حسناتكم يوم تلقونه، وكتب الله لكم الأجر والمثوبة / اللهم آمين.

اختيار موفق وأراه قد جاء في وقته.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير