تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وضعف المنتهى مئنة من الفناء بعد الحدوث، وذلك، أيضا، مما يمتنع بداهة في حق الآخر بذاته ووصفه، فآخريته، جل وعلا، مطلقة لا يلحقها فناء، وذلك، كما تقدم، أمر يعم الذات القدسية والصفات العلية، فلا يزول عنه كمال كان موصوفا به، فذلك مما يعتري البشر فلا يسلمون من عوارض النقص من جوع وعطش ونصب ووصب وموت وفناء ....... إلخ، فذلك، فرقان مبين، بين وصف الرب القوي الغني والعبد الضعيف الفقير، فلا أفسد عقلا ممن جوز اتصاف القوي بوصف الضعيف فذلك من الجفاء في حق الكامل، وهو مئنة من السفه فصاحبه يفتقر إلى بدائه الحكمة بوضعه الشيء في غير موضعه فيضع مادة النقص في محل الكمال المطلق، كما قد وقع من اليهود والنصارى الذين جوزوا طروء وصف النقص على الذات الإلهية، بل قد أفحش النصارى القول فجوزوا في حق الرب جل وعلا: صورا من النقص والمهانة يتنزه عنها آحاد القادرين من البشر فكيف بالقدير الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء؟!.

وقال بعضهم بجواز مفارقة وصف الكمال لذاته القدسية وتجسده في هيئة أرضية حادثة لا تنفك عن نقص جبلي يمتنع معه بداهة حلول الوصف الكامل فيها فلا تقوى على احتمال آثاره، ومآل الحال في المخلوق الحادث: الفناء الذي لا ينفك عنه فما حدث بعد العدم فهو فان لا محالة فتلك سنة الرب، جل وعلا، في كونه، فكل مولود سيموت وكل مخلوق سيفنى، والفناء ممتنع بداهة في حق الرب الآخر، جل وعلا، لو سلم لهم ابتداء بجواز مفارقة الوصف للموصوف وانقطاع نسبته إليه وحلوله في موصوف آخر، أو تجسده وهو معنى لطيف في جسد كثيف، فكل أولئك: محالات عقلية لا يقبلها العقل إلا بدعوى الإيمان المطلق ورسم التقليد الأعمى بتعطيل بدائه العلوم الضرورية التي ركزت في العقول البشرية التي امتاز بها النوع الإنساني عن بقية أفراد النوع الحيواني!.

ولا أفسد عقلا ممن جوز اتصاف الضعيف بوصف القوي فذلك من الغلو في حق الناقص، بإنزاله منزلة الكامل فمحله لا يحتمل آثار وصف الجلال والجمال التي يتصف بها الكامل، وذلك أمر ظاهر في عالم الشهادة فلكلٍ مقام يلائمه بما ركز فيه من قوى، فلا يستوي العالم والجاهل، فإنزال الثاني منزلة الأول: إفساد له بتحميله ما لا يحتمل من آثار كمال لا تلائم نقصان وصفه، فكيف بالغلو الفاحش بتحميل المخلوق وصف الخالق برسم: نيابة عن الإله أو إمامة تكوينية أو ولاية مطلقة على الأتباع؟!.

والشاهد أن ضعف العقل هو الذي ولد تلك التصورات الفاسدة:

فقد ظن أناس المال نعمة فانقلب نقمة بإمساكه وتعطيله عن وظيفته التي خلق لها فما خلق إلا ليطلب من حله وينفق في حقه، فإن حصله صاحبه من حرام أو اختزنه فلم يؤد حقه برسم الشح والتقتير فمنع حقه الواجب ورفده مما ينفق في المروءات وصيانة العرض وإيفاء أصحاب الحقوق حقوقَهم، فصار في حقه مادة شؤم وضنك، كما أثر عن ابن عباس، رضي الله عنهما، والأصل أنه مادة سعة وبركة فانقلب إلى ضده لما انقلب وصفه من سبب ينفق في الطاعة إلى غاية تجمع وتدخر برسم المعصية بعدم تحري الحلال وحجب الحق الواجب والمستحب فيه، فالأول ذريعة إلى العقوبة، والثاني خارم للمروءة فيقبح حجب المال تعطيلا لواجب فذلك أمر ظاهر أو ضنا به عما تقتضيه المروءة من نفقة على الإخوان وإطعام للطعام وإقالة لذوي الهيئات لا سيما الشرعية ....... إلخ من وجوه الإنفاق المشروعة.

وظن أناس الجاه نعمة فانقلب نقمة لما صار ذريعة إلى البغي والعدوان.

بل قد ظن أناس الكفر نعمة!، فباشروا أسبابه برسم الإيمان الذي يحصل به الخلاص لمعتنقه ودخول الملكوت لمنتحله ولو خالف نقل النبوات الصحيح وقياس العقول الصريح.

وكل أولئك مئنة من فساد التصور الذي انحط به الآدمي بفساد قوى عقله الفاعلة، إلى مرتبة البهيمة التي لا تدرك، كما تقدم، إلا ضرورات بدنها فليس لها عقل يتعلق به تكليف شرعي يطلب به صلاح آجل، فلا تعنيها عاقبة أو مآل، فهي تأكل لتسمن، وما علمت أنها غدا تذبح!، ولو علمت ما أكلت، ولكنها لا تدرك عاقبة الأمر فلا يعنيها إلا مباشرة اللذة العاجلة، وإن أعقبها ألم أعظم ينسيها تلك اللذة، بل يأتي على روحها بالإزهاق، وتلك حال أنعم أهل الدنيا من الكفار، فـ: "يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنْعَمِ أَهْلِ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير