تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تحقق الوصف، فصدق الله، جل وعلا، فهو العليم القدير، فمعلومه أصح معلوم برسم العصمة فلا يتصور بداهة كذب في خبر الشارع، جل وعلا، أو حيف في حكمه، كما يزعم من يزعم من أصحاب الأهواء العقلية والأذواق الوجدانية الذين عارضوا حكم الشارع، جل وعلا، بأهوائهم وأذواقهم، فعطلوا تأويله، فتأويله: امتثال أمره ونهيه في الشأن الخاص، فتأويل قوله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا): سد الذرائع الموصلة إليه بعدم قربانها فهي سبب رئيس في مقارفته، فحاله كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، وتحكيمه في الشأن العام، فـ: (لَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، فذلك عموم في النفي فتسلط أداته على المصدر الكامن في الفعل مئنة من انتفائه، وهو مما يحتمل انتفاء أصل الإيمان، أو انتفاء كماله الواجب، فلا يرد النفي للإيمان في نصوص التنزيل إلا في معرض الوعيد بترك واجب فلا يتصور انتفاء الإيمان بانتفاء مستحب، وإلا صار عموم المكلفين متوعدين بنقص قادح في إيمانهم، فيكون العمل واجبا أو مستحبا شرط صحة في الإيمان، وذلك غلو في اعتبار العمل وقع فيه غلاة الخوارج والمعتزلة فيقابل جفاء غلاة المرجئة في إخراج العمل بالكلية من مسمى الإيمان، والصحيح التوسط بينهما فالعمل شرط لتحقق كمال الإيمان الواجب الذي يخرج صاحبه من دائرة الوعيد ابتداء، وجنسه شرط لتحقق مطلق الإيمان الذي يثبت به الحكم، فلا يتصور إيمان بلا عمل، فتخلف آحاد العمل برسم النقصان متصور فينقص الإيمان بما ترك منها، وأما تخلف جنس العمل بالكلية مع ادعاء إيمان قلبي مجرد ليس إلا صورة علمية في الذهن برسم التصديق بلا شاهد له في الخارج من قول اللسان وأعمال الجوارح، فتخلف جنس العمل على هذا الوجه مئنة من انتفاء أصل الإيمان من القلب، وكذلك الشأن في أعمال بعينها وقع الخلاف في اعتبارها شروط صحة، فلا يصح الإيمان إلا بها، كالصلاة، فهي شرط صحة في الإيمان عند جمع من السلف وهو مذهب الحنابلة، رحمهم الله، إلى يوم الناس هذا، وعليه الفتوى في الأمصار التي ذاع فيها مذهب الإمام أحمد وانتشر، كبلاد الحرمين، وقد توسط بعضهم فجعل الترك الكلي للصلاة هو الناقض لأصل الإيمان فهو مئنة ظاهرة من زوال أصل الإيمان من القلب وإن لم يزل التصور العلمي بالتصديق فذلك مما تحقق لكثير من الكافرين بل لزعيم الأبالسة والشياطين!، فكان كفره بانتفاء عمل القلب خضوعا وانقيادا، فترك الصلاة مئنة ظاهرة من انتفاء خضوع القلب وانقياده، فمعنى الإباء والاستكبار في حقه ظاهر وكذلك الشأن في حق من ترك تحكيم الوحي في النوازل الخاصة والعامة فعطل الشرع تعطيلا عاما بل استبدل به الذي هو أدنى من نحاتة الأذهان البشرية!، فـ: (مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)، وذلك مما يحسن فيه إطلاق الحكم الذي يدور مع الوصف الجالب له وجودا وعدما فلا يحسن التعيين في حق آحاد المكلفين فليس تحقيق مناط الأحكام إلا للراسخين من أولي العلم فعندهم من العلم ما يلتمسون به الأعذار والموانع، وإن لم يمتنع عندهم الحكم على المعين متى استبان كفره الصريح وأقيمت عليه الحجة الرسالية فانتفت في حقه الموانع، وذلك، كما تقدم، أمر يعسر على عموم المكلفين بل على كثير من خواصهم فلا يحسن الكلام فيه إلا من أوتي علما ورحمة فينظر بعين القدر الراحم، وعين الشرع الحاكم، فلا يجنح إلى أحدهما دون الآخر، وقد ينتفي أصل الإيمان بفعل لا بترك، فكما ينتفي أصله بترك بعض الأعمال كالترك الكلي للصلاة وتبديل الشرائع المنزلة فذلك ترك لها برسم التعطيل، ينتفي، أيضا، بفعل بعض الأعمال كموالاة الكفار الأصليين في عدوانهم على المؤمنين فيظاهرهم على أهل الإيمان برسم التآمر والخذلان للمؤمن بإسلامه إلى الكافر سواء أكان ذلك التآمر عاما كما يقع في الحروب التي تستباح فيها أمصار بأكملها، أم خاصا كما يقع من صور الخذلان لآحاد المؤمنين بإسلامهم إلى الكفار الأصليين ليفتنوهم في دينهم!، فنواقض الإيمان لا تقتصر على النواقض القلبية

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير