تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فقط، بل منها نواقض لسانية وأخرى عملية وبينها، عند التدبر والنظر، رباط وثيق فلا ينفك ناقض السخرية والاستهزاء بأحكام الشريعة وأهلها، فـ: (لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ)، لا ينفك، على سبيل المثال، وهو ناقض قولي عن ناقض قلبي بانتفاء تعظيم الشرع، ففساد القلب قد ظهرت آثاره على اللسان.

ففساد أصحاب المعاصي القادحة في كمال الإيمان الواجب أو أصله الجامع، فسادهم بمعارضة حكم الشارع، جل وعلا، بأهوائهم وأذواقهم، فسادهم: في العمل أظهر، في مقابل فساد من كذب خبر الشارع، جل وعلا، أو عارضه بقياس عقله برسم التعطيل لمعناه أو التحريف له برسم التأويل بصرفه إلى وجوه بعيدة مهجورة في اللسان العربي، أو محالة لا عهد للشرع أو العقل أو اللسان بها فليست من حقيقة اللفظ أو لوازمه ولو بعيدة لا عهد لأكثر الناس بها، ففساد من تلك حاله: في العلم أظهر، فمعارضة التنزيل ذريعة إلى فساد القول والعمل، ولا ينفك الفساد العلمي، كما تقدم مرارا، عن فساد عملي في الخارج يشهد له، فالظاهر شاهد بصحة أو فساد الباطن الذي يصدر عنه، فمبعث الفعل الظاهر إرادة باطنة، ومنشأ الإرادة في القلب برسم النية الجازمة: تصور علمي هو أول أطوار الفعل، فعلم يولد إرادة، فإرادة تبعث الظاهر، فتتحرك الجوارح إذا انتفت الموانع بما يشهد للباطن بعلومه وإراداته، فتصور الانفكاك بين تلك المعاني المتلازمة أمر لا يتصور في الخارج فغايته أن يجرد في الذهن على جهة التصور العلمي المحض.

والمؤمن المسدد هو الذي يعتبر ما اعتبر الشارع جل وعلا، ويلغى ما ألغاه، ويرسل ما أرسله فهو من قبيل المصالح المرسلة التي تتردد الأنظار فيها اعتبارا وإلغاء بقدر ملاءمتها لقواعد الشريعة الجامعة فكلياتها تعم بمعناها ما لا يحصى من الصور ففي نصوص الوحي غنية عن القياس المعارض لها، فـ: "إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما هو عام الرسالة إلى كل مكلف فرسالته عامة في كل شيء من الدين أصوله وفروعه ودقيقه وجليله فكما لا يخرج أحد عن رسالته فكذلك لا يخرج حكم تحتاج إليه الأمة عنها وعن بيانه له". اهـ

بتصرف يسير من: "إعلام الموقعين"، (1/ 350).

فالنصوص تشمل جميع الصور بدلالتها الحقيقية فهي نص في محل النزاع، أو بدلالتها الإضافية، كما أشار إلى ذلك ابن القيم، رحمه الله، بقوله:

"إن دلالة النصوص نوعان: حقيقية وإضافية، فالحقيقية: تابعة لقصد المتكلم وإرادته وهذه الدلالة لا تختلف، والإضافية تابعة لفهم السامع وإدراكه وجودة فكره وقريحته وصفاء ذهنه ومعرفته بالألفاظ ومراتبها وهذه الدلالة تختلف اختلافا متباينا بحسب تباين السامعين في ذلك". اهـ

بتصرف من: "إعلام الموقعين"، (1/ 350).

فاللفظ يعم بمعناه الذي يدل عليه أفرادا بعضها يدخل تحته مباشرة فهو مما يدل عليه دلالة معجمية مباشرة، كالخمر فهي تدل على الخمر المعهودة دلالة لفظية مباشرة، وبعض آخر يدخل تحته دخولا غير مباشر، فيدل على المسكرات الحادثة دلالة معنوية أو إضافية غير مباشرة، فمعنى الإسكار الذي تعلق به الاسم، الذي تعلق عليه حكم التحريم، ذلك المعنى متحقق في كلها، وذلك مما قد يشهد لمن توسع في قياس اللغة، فجعل النصوص دالة بألفاظها على أحكام الفروع الحادثة دون حاجة إلى القياس الشرعي الذي تلحق فيه الفروع بأصولها لمعنى جامع بينها، فلا يدل اللفظ بنفسه على جميع الأفراد الداخلة في حد الحكم بل يدل على بعضها بدلالة الوضع المعجمي ويدل على بعضها بدلالة القياس العقلي، والخلاف يسير بالنظر إلى ما تقدم من دلالة النصوص على الأحكام دلالة حقيقية هي الدلالة الوضعية ودلالة إضافية هي الدلالة القياسية.

والشاهد: أنه، جل وعلا، يحب البصر النافذ، فنفاذ البصر مما تخترق به حجب الشبهات العلمية فتسلم قوى العبد العلمية، وذلك شطر النجاة الأول.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير