تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مكنون في الصدر فهو أخفى ولكنه أعظم خطرا، فبه يضعف المحل الباطن معدن التصورات والإرادات فلا خير فيما يتفرع عليه من أعمال الظاهر، ولو كانت على رسم الصلاح، فـ: (قَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا)، فأكد المعنى بدخول "من" البيانية الجنسية فجنس عملهم قد صار بفساد علومهم هباء منثورا في دار الجزاء وإن وجدوا أثره في دار الابتلاء، فذلك مقتضى العدل الرباني، فـ: (لَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)، فكيف إن كان ما يتفرع على هذا المحل عملا فاسدا من مقارفة معصية أو شهوة محرمة؟!، فذلك تأويل يطابق الظاهر فيه الباطن فتكون الصورة العملية ترجمة حقيقية للصورة العلمية على ما اطرد مرارا من التلازم الوثيق بين الصورتين، فالحكم في الخارج لا ينفك عن تصور سابق في الذهن، فيسبقه التصور، فهو علته الفاعلة، والعلة الفاعلة تسبق في الوجود العلة الغائية، فيحصل العلم أولا ثم يتلوه العمل ثانيا، فذلك من التسلسل العقلي الصريح، فلا يعمل أحد بلا إرادة، ولا تكون ثم إرادة إلا بتصور سابق لما يراد، فصورة العمل في الخارج آخر حلقات سلسلة من الأحاسيس والحركات الوجدانية، فالعلة الفاعلة كما تقدم هي العلم الباطن الذي يولد في الخارج العمل الظاهر فهو العلة الغائية، ويقال من وجه آخر بأن تصور الغاية يسبق إلى الذهن فيحصل قبل الشروع في الفعل، فلا يعمل عاقل إلا وقد تصور عاقبة عمله صحة أو فسادا، فيقدم على ما يظهر له صلاحه وإن لم يكن كذلك، فمرد ذلك إلى ما استقر في وجدانه من تصور لأسباب النجاة شرعية كانت أو كونية فلا يتحرك إلا غيرة لمنفعة يريد حصولها وإن كانت عين المفسدة!، سواء أكانت شبهة ينتصر لها برسم الديانة فذلك أعظم معنى ينافح عنه الإنسان ولو باطلا كما نرى في زماننا من انتفاضة أهل الباطل حمية لجاهلية علمية هي الكفر الصريح الذي تنطلق الحشود صيانة لجنابه!، فتلك حمية من جنس حمية الجاهلية الأولى، وذلك جلد من جلد الملأ، فـ: (انْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ)، فاصبروا على الانتصار لها ولو بعلم باطل قد قامت أدلة النقل والعقل والفطرة والحس على بطلانه قياما لا يماري فيه إلا جاحد أو مسفسط، وعمل فاسد برسم اللزوم في النفس فأعمال الكافر التي تقع برسم العبودية لا أصل لها من شرعة سماوية فذلك مما لم يأذن به الرب، جل وعلا، بداهة، من الشرائع المبدلة أو الحادثة، والتعدي إلى الغير بصنوف الأذى، فذلك من التعصب الذي لا ينفك عنه صاحب كل ملة مبدلة أو نحلة حادثة، وواقع كفار زماننا، لا سيما أهل الكتاب، خير شاهد على ذلك، مع ما يزعمونه من سماحة هي أقرب ما تكون في برودها إلى السماجة!، فلسان حال عملهم الفاسد يشهد بكذب لسان مقالهم البارد.

وعلى الجانب الآخر: لا يتحرك الإنسان إلا دفعا لمفسدة، فذلك رد فعل تشترك فيه كل الكائنات الحية الحساسة المتحركة، فحركة الكائن تتراوح بين: جلب المصلحة ودرء المفسدة، فذلك قانون عام يضبط حركات الكائنات اختيارية كانت أو اضطرارية، فاليد تدفع الصائل اختيارا، والجفن يغمض حال ورود القذى اضطرارا، فتلك حركة الآلات المحسوسة، وكذلك الشأن في حركة النفوس، فهي لا تتحرك بالدفع إلا لما تجزم ببطلانه، ولو كان عين الصواب، فمرد الأمر، أيضا، إلى التصور العلمي الأول، فبه تحصل صورة الغاية في النفس قبل الشروع في الفعل، ولا غاية أعظم من حصول النجاة ولو بنيل صك غفران أو جلوس على كرسي اعتراف أو طاعة عمياء لطاغوت ديني يمارس طغيانه برسم النيابة الأرضية عن الإرادة الإلهية أو النيابة عن معصوم لا يخطئ وإن كان عدما لم يخلق أو الخلافة لشيخ له من تدبير أمر الكون ما يجوز له نقض ناموس الشرع!، فلما كانت تلك الغاية أشرف الغايات، كان محلها أشرف المحلين: الباطن، فليست غاية يشترك فيها الإنسان مع الحيوان مما يحفظ به البدن من مطعوم أو مشروب أو منكوح يستبقى به النوع فتلك أدنى أنواع اللذة لمن تأمل حقائقها ونظر في عواقبها، كما أشار إلى ذلك بعض أهل العلم، فلا تعدل هذه اللذة الجسدية العارضة، اللذة الروحية الباقية، وذلك، كما تقدم، سبب بقاء الروح بعد الموت، فلا تفنى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير