تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لوددت أني كنت شجرة في جانب الطريق مر علي جمل فأخذني فأدخلني فاه فلاكني ثم ازدردني ثم أخرجني بعرا ولم أكن بشرا وقول أبي ذر رضي الله عنه: "يا ليتني كنت شجرة تعضد وقول أبي الدرداء رضي الله عنه: "يا ليتني كنت شجرة تعضد وتؤكل ثمرتي و لم أكن بشرا وما تنسبه بعض كتب الفرق المخالفة لأهل السنة إلى علي رضي الله عنه إن صح النقل فليس لهم به كبير عناية!: "يا ليتني لم تلدني أمي، ويا ليت السباع مزقت لحمي، ولم أسمع بذكر النار. قم وضع يده على رأسه وجعل يبكي"، فلا تعارض لانفكاك الجهة، فالأول: يقولها في دار الجزاء وقد علم مصيره، والثاني يقولها في دار الابتلاء وقد بشر بالجنة على جهة اليقين الجازم، فما زاده ذلك إلا حذرا من مكر الرب، جل وعلا، فهو خير الماكرين باستخراجه مواد الفساد الخفية في ثنايا النفوس البشرية بجملة من الابتلاءات الكونية والشرعية، فلا يأمن مكر مقلب القلوب إلا جاهل وذلك ما حمل الصديق وأولئك الأفاضل، رضي الله عنهم جميعا، على تمني ما تمنى في مقابل حال الكافر الذي عاش حياته في أمن من المحن جهلا وغرورا، فلم يقدر مكر الرب، جل وعلا، حق قدره، فبسط له في رداء الشبهة والشهوة، فلا ينفكان غالبا، فلحقه من موات القلب وفساد الجوارح ما قد غفل عنه لعظم جهله فلا التفات له إلى علوم النبوة التي أبانت عن تلك الدقائق ليحذر اليقظ من أن تدور عليه الدوائر الكونية لمخالفته الطرائق الشرعية، فأين ذلك الجاهل الذي يؤخذ على حين غرة فتعظم مصيبته بسوء خاتمته، ممن عاش حياته برسم المراقبة للرب، جل وعلا، فامتثل شرعه، فليس يناله من قدره إلا خير في الحال بنصر وتمكين، وخير في المآل، وإن وقع الألم والقرح في دار الابتلاء، فـ: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ).

والشاهد أن انفكاك الجهة بين إهلاك العاصي عقوبة، وإهلاك الطائع ابتلاء، وإهلاك الشجر والحجر بعموم القارعة الكونية، ذلك الانفكاك مما يسوغ حمل القرية في الآية على الحقيقة والمجاز معا، فمن قال بأن الحقيقة هي البناء، والمجاز من يسكنه، فإنه يجعل ذلك من مجاز المحلية فقد أطلق المحل وأراد الحال فيه، أو يجعله من مجاز الحذف على تقدير محذوف يلائم السياق كـ: أهل قرية، ومن أنكر وقوع المجاز في التنزيل فإنه يقدر المحذوف تقدير الأول لا على جهة المجاز بل ذلك مما اقتضاه السياق، فقرينة الإهلاك تنصرف، كما تقدم، إلى العقلاء ممن حقت عليهم كلمة العذاب النافذة، ومن جاورهم فترك الإنكار فالعقوبة تعمه، فـ: "إنَّ النَّاسَ إذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ , أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ"، ومن جاورهم فعجز عن الإنكار كما هي الحال الغالبة في زماننا فالعقوبة تناله، أيضا، فذلك، كما تقدم، مقتضى سنة العذاب العامة فلا يصيب المرض والفقر بعضا دون بعض، بل يضرب الرب، جل وعلا، الذلة والمسكنة على الأمم العاصية، إجمالا، وإن كان فيها آحاد من الصالحين فيوفيهم أجورهم في دار الجزاء، فلا اختصاص لهم بنجاة في هذه الدار، فالسنن العامة لا تحابي أحدا، ولو كان ذلك لنجا خير طباق الأرض من سيف قريش الجائر يوم أحد فلم يشفع لهم صلاحهم ولا تأولهم أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعدم مغادرة جبل الرماة بأن ذلك إنما يكون حال النزال وقد انقضى بفرار قريش، بل لم يشفع لمن ثبت منهم فأجرى الأمر على ظاهره ولم يتأوله، فقتل عبد الله بين جبير، رضي الله عنه، ومن معه من الرماة، فنالهم من شؤم المعصية في دار الابتلاء ما نالهم، وإن لم يقترفوها، ونالهم من كرامة الشهادة والنجاة في دار الجزاء ما نالهم، فتلك في حقهم مصلحة أعظم لم يكن لهم التوصل إليها إلا على جسر حر السيف الذي أعملته خيل قريش فيهم، ونال الجيش بأكمله من شؤم معصية فصيل منه لا يصل إلى خمسين ما ناله، فـ: (مَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير