تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ)، فذلك جار على ما تقدم من مكر خير الماكرين، جل وعلا، باستخراج ما بطن في قلوب المنافقين من الكفر برسم الذم فكتب توليهم عن القتال ابتداء بتحريض ابن سلول زعيم المنافقين، فعلمه الرب، جل وعلا، علما ثانيا هو تأويل ما قد كتب في اللوح من العلم التقديري الأول، فتعلق العلم الأول به تعلق تقدير وكتابة في اللوح، وتعلق العلم الثاني به تعلق إحصاء وكتابة في صحف الحفظة، عليهم السلام، واستخراج ما بطن في قلوب بعض المؤمنين من نوع حب خفي للدنيا فـ: (مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ)، فذلك مما لم يخطر ببال كثير، كما أثر عن ابن مسعود، رضي الله عنه، فاستخرجه الرب، جل وعلا، برسم التمحيص والتطهير بكير المصاب العظيم يوم أحد، فناره قد أذهبت ذلك الخبث الطارئ على أطهر القلوب بعد قلوب الأنبياء والمرسلين، عليهم السلام، وليس في القوم راج عصمة، فحصل منهم التولي كما حصل من المنافقين، وشتان!، فالأولون قد تولوا قبل اللقاء فانهزموا وكادوا يفتنون غيرهم، فـ: (هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)، فهمت لا على رسم الجزم فذلك من وسواس شياطين الإنس فهاتفهم قد نادى بأعلى صوته: لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ، ولولا هاتف الملك، فهو هاتف رحماني في مقابل هاتف الوسواس الشيطاني، وهو مئنة من كمال الولاية الربانية برسم العناية بالتثبيت حال ورود الفتنة بشبهة أو شهوة، فهو من جنس التثبيت في قوله تعالى: (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا)، لولاه لأصغوا فوقعوا في المحظور، فنجوا من تلك الفتنة العظيمة، فـ: (وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)، فذلك أبلغ في تقرير الولاية، فتعريف الجزأين مئنة من الحصر والتوكيد، فالله، عز وجل، وليهما لا غيره من أولياء الإنس أو الجان، وعليه وحده لا غيره، فذلك حصر آخر بتقديم ما حقه التأخير، عليه وحده فليتوكل المؤمنون.

فتلك حال الأولين الذين تولوا قبل وقوع النزال، وأما الآخرون فقد تولوا بعد وقوع النزال لنوع مكر رباني لطيف أذهب كما تقدم برسم العفو والمغفرة ما قد علق في القلوب من حب الدنيا، فـ: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ).

فشفع لهم عظيم سابقتهم في الإسلام، فلا يستوي الفريقان في الحكم، فهو فرع على الوصف، وليس وصف المنافق الأصيل الذي اعتاد المعصية والتولي كحال من زل مرة من أهل الفضل والسبق فأقال الله، عز وجل، عثرته، فذلك مما مدح به المؤمنون فـ: "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا في الحدود"، فاتصاف الرب، جل وعلا، به ثابت من باب أولى فهو أولى بكل كمال في الذات أو الوصف.

فذلك وجه من أنكر المجاز فقدر المضاف: أهل قرية، وجعل ذلك من معهود لسان العرب فهو حقيقة فيه لجريانه على سننه المطرد فلا خروج فيه عن قواعد اللسان العربي الذي نزل به الوحي، أو جعل السياق حاكما فالقرينة تصرف المعنى ابتداء إلى العقلاء فإهلاكهم فرع على عصيانهم، والدور والقصور لا تعصي بداهة وإنما ينالها كما تقدم شؤم المعصية العام فلا ينجو منه أحد ولو بناء جامدا أو نباتا حيا أو كائنا حساسا متحركا فكل صور الحياة تتأثر بأفعال بني آدم سواء أكانت مخالفة للتشريع فضررها أعظم وإن كان أخفى لا سيما على ذوي البصائر المحجوبة عن نور الوحي، فلا يزيدهم هذا القول إلا سخرية واستخفافا حتى يقع العذاب الخاص أو العام فلسان مقالهم آنذاك: (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ)، ولا ينفع إيمان حال معاينة العذاب، إلا ما كان من قوم يونس فذلك استثناء لا يقاس عليه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير