تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

، فتحصل الصورة البصرية أو التخييلية في العين التي تتصل بمدارك الحس الباطن الذي ينظر في الصورة: نظر التدبر، فيجتمع في حق الناظر برسم الهداية التوفيقية، النظران فهو ناظر إلى جرم الآيات المحسوسة، ناظر في سننها الكوني النافذ، فهو بذلك أكمل الناس قوى ومدارك، فيحصل له السمع والبصر برسم العقل، بخلاف من تعطلت آلته الإدراكية الباطنة فلم يدرك من الآلاء إلا الصور الظاهرة التي يباشرها برسم البصر والتخييل، ويجد أثرها برسم الشهوة المحضة إن كانت أعيانها مما يلتذ به من مطعوم أو مشروب أو منكوح، فجاء الأمر بالنظر في المباني والمعاني، فانظروا في آلاء الرب، جل وعلا، في السماوات والأرض، فذلك نوع بيان آجر لمجمل "الآلاء" في الحديث، فقد أبانت الآية عن الظرف المكاني الذي يحوي الآلاء، فهي في السماوات والأرض، فـ: "أل": جنسية بيانية لحقيقة الظرف فالآلاء في السماء العالية والأرض السافلة، جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه، فآيات التكوين، فهو مئنة من القدرة الإيجادية، والتدبير، فهو مئنة من الحكمة والعناية الربانية، في كل سماء بادية، فالنجوم فيها مبثوثة برسم: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ)، فجاء الفعل على حد الجمع تعظيما فذلك مما يحسن في معرض بيان آلاء القدرة، وجاء على حد الجمع فهو، أيضا، مما يحسن في معرض بيان آلاء الحكمة والعناية فنص على حكمة تكوين النجوم فهي الرجوم التي نكرت مئنة من النوعية فضلا عن دلالتها على معنى التعظيم فهي رجوم عظيمة للشياطين الرجيمة، فوصفها بـ: "الرجيم": مئنة من فعل الرب، جل وعلا، بها بصفات جلاله القاهر، فزينا السماء بمصابيح عظيمة الجرم محكمة الخلق بديعة الجوهر والعرض، فالبصيرة تدرك من جوهر خلقتها ما أبانت عنه العلوم التجريبية الحديثة، والبصر يدرك من مظهرها ما تسر به العين وينشرح به الصدر من صور تدل بجمالها على صفات الجمال الربانية، ففيها من الدقة والإحكام ما يدل على حكمة من برأها ونثرها في السماء على هذا الوجه البديع المحكم، وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ: فذلك من الجعل الكوني النافذ برسم الجلال القاهر، فاجتمع في هذه الآية من آلاء الربوبية ما حصلت به صورة علمية باهرة تدل على كمال ربوبيته، جل وعلا، فله ربوبية الجلال بهذا الخلق الذي لا يقدر عليه إلا من له طلاقة القدرة وذلك وصف انفرد به الرب، جل وعلا، فالشراكة فيه ممنوعة بل تجويز وقوعها تجويز لفساد مادة الكون فـ: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)، وله ربوبية الجمال بهذا الإحكام وتلك الحكمة العظيمة التي خلقت لأجلها الرجوم فهي مما يحفظ به البشر من شر الشياطين، فيحفظون من وحي المردة إلى الكهنة، ويحفظون من تلبيس الشياطين فمادة الوحي قد نزلت برسم العصمة فلم تجرؤ الشياطين على استراق السمع، بل لسان مقالهم: (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا)، فكل تلك الآلاء الكونية مما يحمل الناظر فيها، إن كان ممن سبقت له الحسنى فسدد ووفق إلى طريقة الوحي فهي معدن العصمة العلمية والعملية، مما يحمله على التفكر في الآلاء الشرعية برسم التصديق بالخبر والتأويل للحكم بالأمر والنهي، فيحصل التلاؤم بين معاني التوحيد المنجي: علما نافعا يحصل في القلب بمطالعة آيات التكوين، وعملا صالحا يحصل في الجوارح بتأويل آيات التشريع، فالتلازم بين آي الربوبية العلمية وآي الألوهية العملية تلازم، كما تقدم، وثيق، بل هو عند التدبر والنظر، من الضرورات العقلية، فترتب العمل على العلم فيرد العلم على المحل الباطن ابتداء، ثم يظهر أثره في المحل الظاهر انتهاء، فيوافق الظاهر بأعماله الباطن بأقواله، ولذلك كان الإيمان المنجي: إيمانا مركبا من العلم فهو الأصل الأول وبه يصح التصور فيصح لزوما عقليا آخر: الحكم العملي الباطن بأجناس من أعمال القلب، لا يتصور إيمان بدونها فتخلفها مئنة من انتقاض أصل الإيمان بانتفاء الخضوع والانقياد الباطن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير