تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وما يتفرع عليه من خشية ورجاء وتوكل ......... إلخ، والحكم العملي الظاهر فلا يتصور إيمان صحيح في الباطن لا تظهر آثاره في الخارج، مع استيفاء شروطه وانتفاء موانعه، بل لا بد أن يولد الباطن أثرا ظاهرا ولو بمباشرة أجناس الطاعة فيتصور تخلف بعضها ولا يتصور تخلف كلها فذلك نقض لسنة كونية نافذة تقضي بالتلازم بين المؤثِّر الباطن والأثر الظاهر، فهي مما دل عليه الشرع وأيده العقل والحس فليس ثم حركة باطنة إلا ولها من تأويل حركة الظاهر ما يؤيدها.

والشاهد أن التلازم وثيق بين: أحكام الربوبية العلمية وأحكام الألوهية العملية، أو التصور العلمي المنشئ والحكم العملي الناشئ، أو العلة الباطنة والنتيجة المؤثرة ...... إلخ، فذلك من تمام النظر العلمي والانتفاع العملي بالآلاء الكونية تفكرا في الكون وامتثالا للشرع، فتكتمل أجزاء القسمة العقلية لمادة النجاة: علما صحيحا لا يتلقى إلا من مشكاة النبوات فالإلهيات والسمعيات وسائر الغيبيات لا تتلقى إلا من مصدر صحيح النسبة والإسناد وليس ذلك إلا للتنزيل المحفوظ برسم: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) فلا تتلقى من أهواء عقلية أو أذواق وجدانية فلا تتلقى من كتب منقطعة الإسناد بل معدومة فليست إلا آثارا دارسة لكتب ورسائل اختلط فيها كلام الرب، جل وعلا، بكلام البشر على وجه يعسر معه الفصل وإثبات النسبة بل يتعذر لفقد شرط التواتر وعدم وجود أصل صحيح يرجع إليه عند وقوع النزاع بين النسخ الحادثة التي وقع بينها من التباين ما يدل ضرورة على وقوع التبديل لألفاظها والتحريف لمعانيها فقد اجتمع فيها كل أسباب الطعن فالإسناد مقطوع واللفظ مبدل والمعنى محرف! فلا يمكن الفصل إلا بتواتر نص واحد يقطع التواتر بصحته فذلك من العلم الضروري الذي لا يفتقر إلى استدلال نظري فيسلم به الموافق والمخالف معا فإنكاره سفسطة تقدح في عقل صاحبها فإنكار البدائه والضرورات العقلية من جنس إنكار المحسوسات الظاهرة التي يجمع أصحاب الحس السليم على وجودها فليس ذلك مما يتصور وقوع الخلاف فيه وليس ذلك مما يفتقر إلى استدلال، فالاشتغال بتحصيل أدلته اشتغال بتحصيل أدلة علم ضروري يستدل به ولا يستدل له، فذلك من جنس الاستدلال على وجود الله، عز وجل، عند أصحاب القرائح الصريحة والفطر الصحيحة، فـ: كيف يطلب الدليل على من هو دليل على كل شيء؟!، كما أثر عن بعض المحققين، فذلك من جنس طلب الدليل على النهار والشمس في رابعته!، فـ:

ليس يصح في الأذهان شيء ******* إذا احتاج النهار إلى دليل

ومع ذلك اشتغل المحققون من أهل العلم بتحصيل أدلة الربوبية لما طرأ على الفطر من تبديل برسم التهويد أو التنصير أو التمجيس ..... إلخ من المقالات المحدثة، فصار ذلك في حق أصحاب الفطر المعوجة جدالا، وصار في حق أصحاب الفطر السوية سفسطة.

والشاهد أن الحجة الصحيحة السالمة من المعارضة لا تقوم إلا بنقل صحيح يسلم به الموافق والمخالف، فلا يجرؤ المخالف على الطعن في إسناده وإن طعن في أصله، ولذلك سلم عقلاء اليهود والنصارى بصحة إسناد الكتاب العزيز، فانصبت جهودهم الحثيثة على الطعن والتشكيك في الأصل، فـ: (لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)، فطعنوا في مصدره فليس وحيا ربانيا وإنما هو وحي راهب لم يجتمع به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا مرتين!، فحمل عنه ما حمل من الأدلة السمعية والعقلية المحكمة التي شهدت بصحتها النبوة الأولى ووقع تأويل أخبارها في عالم الشهادة كما قد جاء نص التنزيل بها، فلم يتخلف منها شيء بل قد صدق المرسل بها في كل قول نقله برسم الكتاب المحفوظ بنقل التواتر لكل ألفاظه والبيان لكل معانيه فمهما وقعت شبهة فحجة الرب جل وعلا ظاهرة في أقوال أهل العلم من السلف فكلامهم مبثوث في دواوين الإسلام وهم أولى الناس بالتصديق والاتباع وإن لم تثبت العصمة لأعيانهم، فإجماعهم معصوم فلا يجمعون على خلاف الحق، وقولهم أولى بالاتباع من قول من جاء بعدهم فهم أعلم الناس بلسان الوحي ومقاصده فمنهم رجال الصدر الأول، رضي الله عنهم، الذين توافر لهم من دلائل المشاهدة للتنزيل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير