تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ".

وعودة إلى الحديث، فـ: تفكّروا في آلاء الله: الكونية والشرعية، فعموم الإضافة القياسي يستغرقها فقد اجتمع لها من صور العموم: دلالة الجمع فهو مظنة الكثرة، ودلالة التنكير فهي مظنة الشيوع، ودلالة الإضافة إلى المعرف فذلك من أسباب التعريف القياسية، فتفكروا فيها برسم التدبر والنظر في آيات الكون برسم الاستدلال على الصانع بالنظر في إتقان صنعته، وتفكروا في الآيات الشرعية استنباطا للعلل والأحكام فذلك من أنفع ما تصرف فيه قوى العقل، فـ: "من يرد الله به خيرا يفقه في الدين"، فتلك قوة الفهم والاستدلال، و: "بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ"، فتلك قوة الحفظ والنقل.

ثم جاء الشطر الثاني على جهة الطباق بالسلب:

ولا تفكروا في ذات الله فتهلكوا:

فمتعلق الأمر غير متعلق النهي فيحسن الفعل على وجه ويقبخ على آخر.

فالتفكر في ذات الله، جل وعلا، على جهة الخوض في الحقيقة والكنه ذريعة إلى الهلاك فلا ينجو صاحبه من شؤم التعطيل أو التشبيه، فيقع لزوما في قياس التمثيل أو الشمول المذموم، فإما أن يثبت نتيجته الباطلة وإما أن يفر منها فيقع في غلو في الطرف الآخر فيعطل الرب، جل وعلا، عن كماله الثابت له، تنزيها له عما اعتقد أنه يلزم من إثبات أسمائه الحسنى وصفاته العلى، وليس ذلك بلازم، فالإثبات إنما يكون للمعاني الذهنية المطلقة دون خوض في الحقائق الخارجية، فذلك من الغيب الذي استأثر الرب، جل وعلا، بعلمه، فهو من المتشابه الكلي الذي لا يعلمه إلا الرب العلي تقدست ذاته وصفاته، فالتفكر إنما يحسن في معاني الصفات الإلهية بإثباتها بلا تمثيل لها بقياسها على صفات المحدثات، فليست حقيقة وصف من له الأولية المطلقة كحقيقة وصف الحادث بعد عدم، وإن اشتركا في المعنى الكلي الجامع، فذلك من الاشتراك المعنوي في الأذهان فلا يمنع تصور المعنى الكلي من وقوع الشركة فيه ولا يلزم من ذلك تشبيه أو تمثيل فهو معنى مجرد في الذهن لا يوجد في الخارج إلا قائما بذات تتصف به فيكون حكمه من حكمها، فتقع المباينة ضرورة بين وصف الرب، جل وعلا، ووصف العبد، فرعا على وقوع المباينة الضرورية بين ذات الرب، جل وعلا، وذوات عباده، فالكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات.

والفاء في "فتهلكوا": مئنة من السببية، فهي نص فيها، لورودها بعد نهي، فما سبق ذريعة إلى ما بعدها من الهلاك فضلا عن دلالتها على الفورية والتعقيب، فذلك سبب سريع لهلاك العبد بإقحام العقل فيما ليس من دائرة اختصاصه، فإعماله في باب الغيب أو باب التشريع منازعة للرب جل وعلا حكمه: ذريعة سريعة إلى هلاك صاحبه فيضل في أودية القياس الفاسد في الدنيا ويهوي في أودية العذاب في الآخرة.

والله أعلى وأعلم.

ـ[عز الدين القسام]ــــــــ[05 - 12 - 2010, 04:48 ص]ـ

.

بارك الله فيك أخي الأستاذ مهاجرا على هذا الموضوع الثري ..

لي عودة إن شاء الله ... فالموضوع واسع ويحتاج إلى تمحيص.

دمت في رعاية الله وحفظه.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير