تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

رَسُولَ اللهِ وَلاَ أَنْتَ قَالَ: وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ" فدخل في حد الخبر الذي خاطب به غيره.

فقل: "انظروا" على ما تقدم من دلالة النظر المركبة من نظر إلى المحسوس ونظر في المعقول، فانظروا في آلاء الكون التي أمرنا بالتفكر فيها، كما قد جاء في صدر الحديث، ولا يكون ثم انتفاع بهذا النظر إلا برسم السداد والتوفيق الإلهي، فـ: (مَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ)، ثم جاء التقرير لسنة كونية أخرى هي مقتضى القياس الصحيح، فـ: (فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)، فذلك من القصر المؤكد لجريان سنة العذاب بحصول سببها من التكذيب والتولي فذلك مما جرى حكمه على الأمم السابقة ويجري وسيجري على من وافقهم في العلة، فالحكم يدور مع علته وجودا وعدما، فجاء القصر بأقوى أساليبه تقريرا لتلك السنة، وقد خص عذاب الاستئصال العام من تلك السنة فلا عذاب يعم النوع الإنساني بعد طوفان نوح عليه السلام، وخص عذاب الاستئصال الخاص منها فلا عذاب يستأصل به جنس من البشر بعد إغراق فرعون وجنده، وخصت الأمة الخاتمة برسم: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، فذلك من بركة اتصال إسناد النبوة، فبقاؤها ببقاء صاحبها صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو بقاء آثارها من توبة واستغفار كل أولئك مما تحفظ به الأمة الخاتمة، وإن وقعت فيها صور من الاستئصال والخسف الجزئي، فـ: "يكون في أمتي خسف وقذف ومسخ، قيل يا رسول الله متى قال: إذا ظهرت المعازف والقينات واستحلت الخمر".

فذلك أيضا من الإخبار عن الغيب الآتي وقد وقعت صور منه تشهد أيضا بصحة خبر الرسالة عن المغيب الآتي.

وجاءت مادة النظر في: (فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ) بمعنى الانتظار فتعدت بنفسها، فاجتمع في السياق الواحد ثلاثة أوجه لمادة معجمية واحدة، منها المتعدي بواسطة، ومنها المتعدي بنفسه، وكل يدل على معنى بعينه بقرينة السياق، وذلك مئنة من بلاغة التنزيل وسعة لسان العرب الذي نزل به، فاللفظ قد يقع الاشتراك في معناه أو لفظه وذلك نوع إجمال لا يرفعه إلا بيان القرائن المحتفة بالسياق.

ثم جاء الأمر على جهة الوعيد ففيه نوع تهديد فـ:

قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ: فحصل بالجناس بين فعلهم وفعله مزيد تقرير لمعنى التحدي.

ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ:

فتلك سنة أخرى فذلك شاهد عدل آخر على صحة دعوى النبوة، فالأنبياء عليهم السلام ناجون بأنفسهم، وأتباعهم ناجون برسم: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، فإخلاص الإرادة القلبية والاستقامة على الطريقة الشرعية ذريعة إلى تحقق سنة التمكين الكونية فتدور، أيضا، مع علتها من تعظيم النبوة بتصديق خبرها وامتثال أمرها، تدور معها وجودا وعدما.

فـ: كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ: فذلك مما أوجبه الرب، جل وعلا، على نفسه، فلا يوجب عليه أحد شيئا، فله كمال القدرة والحكمة، فينجي المؤمنين فتلك من أظهر دلائل العناية بأتباع الرسالات، ومن أظهر أدلة صدق دعوى النبوة، فأتباعها ممكنون ما استمسكوا بعراها فإذا انحلت عرى الإيمان بها في قلوبهم وانتفت أمارات التصديق لها في ألسنتهم وجوارحهم فهم مخذولون برسم: "إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلاًّ لاَ يَنْزِعُهُ حَتَّى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير