[مناهج التعامل مع الأخبار عند المسلمين]
ـ[أبو_عبدالرحمن]ــــــــ[04 - 06 - 08, 10:51 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما يتحدث أصحاب الشبهات عن النقل الشفهي والكتابي عند المسلمين، ويطعنون في نقلهم للأخبار من خلال ذلك؛ فإنهم لا يفرقون بين (اللامنهج) الذي اتبعه الإخباريون من غير المسلمين قبل بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وبين المنهج المحقق المتقدم الذي اتبعه الأخباريون المسلمون، والذي كان ثمرة من ثمرات هذه الشريعة المباركة.
كما أن هؤلاء جميعاً لا يفرقون بين منهج الأخباريين المسلمين وبين منهج المحدثين (أهل الحديث) الذي كان ولا يزال أعظم منهج عرفه الناس للتعامل مع الأخبار.
ويعود ذلك إلى أن المشككين من المستشرقين وأذنابهم لم يكلفوا أنفسهم الاطلاع على منهج المحدثين أو الأخباريين المسلمين، بل كان همهم منصباً على تتبع الأخبار نفسها وانتقادها بالبحث عن مناقضتها للحقائق، ولما لم يفلحوا في ذلك توجهوا إلى عرضها على نفسياتهم التي لا تقدم ولا تؤخر وعاداتهم غير الملزمة لأحد أصلاً، وحاولوا التشكيك فيها من خلال ذلك متناسين المنهجية العظيمة التي اتبعها كل من الأخباريين والمحدثين.
بل إنهم عندما أخفقوا في التشكيك من خلال ذلك؛ عملوا على تحويل نفسيات المسلمين إلى مسخ عن نفسياتهم لتقبل كل ما يصدر عنهم، وتمثل ذلك بما عرف فيما بعد بالغزو الثقافي حيث جعلوا الإسلام غريباً بين أهله وجعلوا أفكارهم وأهواءهم هي الميزان! ونجحوا في ذلك أيما نجاح!
وفي هذه السطور سأحاول تقديم عرض مختصر جداً –من غير إخلال إن شاء الله تعالى- لكل من منهج الأخباريين المسلمين ومنهج المحدثين، مع مقارنة سريعة بلامنهجية الأخباريين الجاهليين قبل البعثة من عرب ويهود ونصارى وغيرهم بمنهجية المسلمين:
فقد اهتم الناس بالأخبار منذ القدم بل ربما منذ خلقوا ويدلنا على ذلك ما نراه في أنفسنا من اهتمام بالأخبار وقياساً على ذلك فإننا نفترض أن ما نراه في أنفسنا كان في جميع الناس من قبلنا.
وقد أكد لنا ذلك ما تواتر عن أخبار بعينها كانت تتناقل منذ زمن بعيد كما تواترت لدينا كتب تاريخية قديمة ومؤرخون قدماء.
ومما يؤكد ذلك أيضاً تلك النقوش والكتابات التي تعود إلى آلاف السنين بشهادة المختصين والتي تتضمن كتابات تأريخية ومعتقدات وغيرها.
إلا أن من الملاحظ -وهو ما يدركه كل من يطالع كتابات هؤلاء أو قصصهم- أن هؤلاء جميعاً لم تكن لديهم منهجية واضحة في التعامل مع الأخبار بل إنهم كانوا ذوي أهواء. يدلنا على ذلك أن أحداً منهم لم يذكر منهجاً يحتكم إليه في تلقي الأخبار و في نقلها ونشرها كما أنك لا تستطيع –مهما بذلت من جهد في تتبع هؤلاء- أن تستخلص منهجاً واضحاً لهم، فعلى أي أساس اختاروا هذا الخبر أو ذاك أو على أي أساس هجروا هذا الخبر أو ذاك فإنك لن تجد هنا ما يشفي!
وهذا يدل على أنهم لم تكن لديهم منهجية سوى ما ألفوه أو اعتادوه.
منهج الأخباريين المسلمين:
وعندما بعث الله تعالى سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق وأنزل معه الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط كان مما أنزل الله تعالى ميزاناً عظيماً ومنهجاً واضحاً يضبط التعامل مع الأخبار شأنها كل شيئ أنزل الله تعالى الكتاب تبياناً له.
ويتمثل هذا المنهج العظيم في ضبط القائل والمتلقي والناقل على السواء.
أما القائل أو المخبر فقد حرم الله تعالى عليه الكذب يسيراً كان أم كثيراً؛ فإذا أخبر فعليه أن يخبر بما رأى أو سمع حقاً، وإذا أخبر بما رأى أو سمع فعليه أن يخبر به كما هو دون زيادة أو نقص، وكذلك الناقل عنه.
أما المتلقي فقد منعه الإسلام من تكذيب أي خبر لم يحط بعلمه ما لم يكن لديه علم بما يمنع منه.
كما منعه من اتباع الظن وقفو ما لا علم له به.
كما منعه من التحديث بكل ما يسمع دون تثبت، ومنعه من أن يخبر بما لا يعرف له مصدراً من الأخبار إلا مجرد الزعم (بئس مطية الرجل "زعموا").
وقد تمثل الأخباريون المسلمون هذه المنهجية العظيمة وكان همهم وهدفهم وأهم شروط منهجهم ألا ينشروا الكذب الذي يعلم أنه كذب.
ولذلك فقد وضعوا منهجاً دقيقاً واسعاً في الوقت نفسه يمكنهم من احتواء أكبر قدر من الأخبار التي يرى الأخباريون المسلمون أنها مهمة وأنها تفيد متلقيها.
¥