أظهر الحديث أن العبد لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، وأن الأمر بيد الله، فالله هو الهادي لأحسن الأخلاق، وهو الصارف لسيئها، وهو غافر الذنب، وهذا شعور يجب أن يخالط العبد الداعي لربه لأن العبودية تقوم على ذلك.
الفائدة الثامنة والخمسون:
قول المصلي في دعاء الاستفتاح: " واهدني لأحسن الأخلاق " دليل على ارتباط الصلاة بحسن الخلق، فمن حسنت صلاته، وقام بحقوقها وأركانها وواجباتها، وخشع فيها، كان له نصيب وافر من حسن الأخلاق، كما أن الصلاة الكاملة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والتي هي في مقابل حسن الأخلاق، فكذلك تأمر بحسن الأخلاق.
ويمكن لنا أن نستنبط أن من وسائل حسن الأخلاق المحافظة على الصلاة بسننها، بما في ذلك دعاء الاستفتاح هذا.
الفائدة التاسعة والخمسون:
الملاحظ أن لفظ دعاء الاستفتاح:" واهدني لأحسن الأخلاق " ولم يقل بعد ذلك: واصرف عني أسوأ الأخلاق، تماثلا في اللفظ بين " أحسن " و " أسوأ "، وإنما قال: " واصرف عني سيئها " لأن المؤمن لا يريد أدنى المرتبتين في السوء، بينما يسعى لأكمل المرتبتين في الكمال، فكأن لسان حال المؤمن: اهدني لأكمل الأخلاق الحسنة، واصرف عني أي خلق سيء، ففي الأخلاق الحسنة يسعى لأكملها وأعلاها وأفضلها، وفي الأخلاق السيئة يسعى لإزالتها كلها لا يفرق بين السيئ والأسوأ.
الفائدة الستون:
في قوله: " واهدني لأحسن الأخلاق " تربية للمؤمن على الهمة العالية، والسعي في تكميل نفسه، ولا يرضى بالمرتبة الدنيا مع وجود غيرها أعلى منها.
وكم أصبح الحصول على أدنى مراتب العلم الشرعي، وبذل أقل جهد دعوي، عذرا في عدم المواصلة، ولا يزول ذلك إلا بهمة عالية تجعل المؤمن يسعى للكمال دائما.
الفائدة الحادية والستون:
في الحديث تربية للمسلم على الاستعاذة بالله من الأخلاق السئية.
الفائدة الثانية والستون:
لم يكتف الحديث بسؤال الله حسن الأخلاق، وإنما أضاف لها سؤال الله أن يصرف عنه سيئها، مع أن المتبادر للذهن أنه إذا رزق أحسن الأخلاق فقد صُرف عنه سيئها، لكن هذا يدل على أن الأخلاق مراتب، وهي حسب تقسيم الحديث:
1ـ أحسن الأخلاق، وهي أعلى المراتب.
2ـ سيء الأخلاق، وهي أسوأ المراتب.
3ـ يكون فيه حسن أخلاق من جهة وسوء أخلاق من جهة أخرى.
ولهذا لم يكتف بسؤال الله حسن الأخلاق حتى أضاف لها السلامة من سيء الأخلاق ليصل بذلك إلى أعلى المراتب، وهي التي تجمع بين حسن الأخلاق مع السلامة من سيئها، وهو هديه >.
الفائدة الثالثة والستون:
قوله: " لبيك " قيل في معناها أربعة أمور:
" أحدها: إجابتي لك يا رب، وإقامتي معك مأخوذ من: ألب بالمكان وألب به: إذا أقام به، ومعنى التثنية فيه، أي: إجابة بعد إجابة، وإقامة بعد إقامة، كما يقال: حنانيك، أي: رحمة بعد رحمة.
والثاني معناه: اتجاهي إليك وقصدي، من قولهم: داري تلب دارك، أي تواجههما، والتثنية للتأكيد.
والثالث: محبتي لك من قول العرب: امرأة لبة: إذا ما كانت محبة لولدها.
والرابع: إخلاصي لك " ().
والخامس: أنه انقياد، من قولهم لببت الرجل إذا قبضت على تلابيبه، ومنه لببته بردائه والمعنى انقدت لك.
السادس: أنه من قولهم داري تلب دارك أي تواجهها وتقابلها، والمعنى مواجهتك بما تحب متوجه إليك
السابع: من قولهم فلان رخي اللبب، وفي لبٍ رخي أي: في حال واسعة منشرح الصدر، والمعنى: أني منشرح الصدر متسع القلب لقبول دعوتك
الثامن: من الإلباب، وهو الاقتراب أي: اقترابا إليك بعد اقتراب، كما يتقرب المحب من محبوبه ().
والمستفتح للصلاة المناجي ربه تشمله هذه المعاني كلها؛ لأنه لا تناقض بينها فالمؤمن مقيم على إجابة ربه كلما دعاه، منقاد له، وقصده واتجاهه لربه سبحانه لا لغيره حسا ومعنى، ومحبته الكاملة لله أيضا فهو المحبوب لذاته، وإخلاصه عبادته لربه لا يخالطه شرك ولا رياء، وهو بذلك منشرح الصدر، ومن استفتح صلاته بهذا الشعور فحري أن يستجاب له.
الفائدة الرابعة والستون:
قوله: " وسعديك " أي مساعدة في طاعتك، فهي تتضمن طلب المساعدة من الله على طاعته، كما تتضمن السعد والسرور بذلك.
الفائدة الخامسة والستون:
الجمع بين " لبيك وسعديك " يدل على:
¥