تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

((وإنما ألزموا أنفسَهم الكشف عن معايبَ رواة الحديث وناقلي الأخبار وأفتوا بذلك لما فيه من عظيم الخطر، إذ الأخبار في أمر الدِّين إنما تأتي بتليلٍ أو تحريمٍ، أو أمرٍ أو نهيٍ، أو ترغيبٍ أو ترهيبٍ؛ فإذا كان الراوي لها ليس بمعدنٍ للصدق والأمانةِ، ثم أقدم على الرواية عنه من قد عرفه ولم يبين ما فيه لغيره ممن جهل معرفتَه كان آثماً بفعله ذلك، غاشاً لعوام المسلمين، إذ لا يؤمن على بعض من سمع تلك الأخبار أن يستعملها أو يستعمل بعضَها، ولعلَّها أو أكثرها أكاذيب لا أصل لها، مع أنَّ الأخبارَ الصِّحاحَ من رواية الثقاتِ وأهلِ القناعةِ أكثرُ من أن يضطر إلى نقل من ليس بثقةٍ، ولا أحسب كثيرأ ممن يُعرِّجُ من الناس على ما وصفنا من هذه الأحاديث الضعاف والأسانيد المجهولة ويعتدَّ بروايتها بعد معرفتِه بما فيها من الضعفِ ـ إلا أن الذي يحمله على روايتها والاعتدادِ بها إرادةُ التكثُّرِِ بذلك عند العوامِ، ولأن يُقال: ما أكثرُ ما جَمَعَ فلانٌ من الحديثِ وألَّف من العددِ! ومن ذهب في العلمِ هذا المذهبَ، وسلك هذا الطريقَ؛ فلا نصيبَ له فيه؛ وكان بأن يسمَّى جاهلاً؛ أولى من أن يُنسبَ إلى علمٍ)).

قال الشيخ الألبانيُّ ـ رحمه اللَّه ـ:

((والحقيقةُ: أنَّ تساهلَ العلماءِ بروايةِ الأحاديثِ الضعيفةِ ساكتين عنها قد كان من أكبر الأسباب القويَّة التي حملت الناسَعلى الابتداعِ في الدِّين؛ فإنَّ كثيراً من العباداتِ التي عليها كثيرٌ منهم اليوم إنما أصلها اعتمادهم على الأحاديثِ الواهيةِ، بل والموضوعةِ .... وساعدهم على ذلك تلك القاعدةُ المزعومةُالقائلةُ بجوازِ العملِ بالحديثِ الضعيفِ في الفضائلِِِِ غير عارفين أنَّ العلماءَ المحققين قد قيَّدوها بقيدين اثنين:

أحدهما حديثي، وقد سبق تفصيله، وخلاصةُ ذلك أنَّ كلَّ من يريد العملَ بحديثٍ ضعيفٍ ينبغي أن يكون على علمٍ بضعفهِ؛ لأنَّه لا يجوزُ له العمل به إذا كان شديد الضعفِ، ولازم هذا الحد من العمل بالأحاديث الضعيفة وانتشارها بين الناس، لو قام أهلُ العلمِ بواجبِ بيانِها.

وأمَّا القيد الآخر: وهو الفقهيُّ: فهذا أوان البحث فيه فأقول:

قد دندن الحافظُ ابنُ حجرٍ حوله في الشرط الثاني بقوله: ((وأن يكون الحديث الضعيف مندرجاً تحت أصلٍ عام ... )).

إلا أنَّ هذا القيدَ غيرُ كافٍ في الحقيقة؛ لأنَّ غالبَ البدعِ تندرج تحت أصلٍ عامٍّ، ومع ذلك فهي غيرُ مشروعةٍ، وهي التي يُسمِّيها الإمامُ الشاطبيُّ بالبدعةِ الإضافية، وواضح أنَّ الحديثَ الضعيفَ لا ينهض لإثبات شرعيتِها، فلا بد من تقييد ذلك بما هو أدقُّ منه كأن يُقال أن يكون الحديث الضعيف قد ثبت شرعيةُ العملِ بما فيه بغيره مما يصلح أن يكون دليلاً شرعيًّا، وفي هذه الحالة لا يكون التشريع بالحديث الضعيف، وغاية ما فيه زيادةُ ترغيبٍ في ذلك العمل مما تطمع النفسُ فيه فتندفعُ إلى العمل أكثر مما لو لم يكن قد رُوِيَ فيه هذا الحديثُ الضعيفُ.

قال شيخُ الإسلام ِ ابنُ تيمية ـ رحمه اللَّه ـ في ((مجموع الفتاوى)) [1/ 251]:

((وذلك أن العمل إذا عُلِمَ أنه مشروعٌ بدليلٍ شرعيٍّ، ورُوِيَ في فضله حديثٌ لا يُعلمُ أنه كذبٌ جاز أن يكون الثوابُ حقًّا، ولم يقل أحدٌ من الأئمةِ أنَّه يجوز أن يجعلَ الشيء واجباً أو مستحبًّا بحديث ضعيفٍ، ومن قال هذا فقد خالف الإجماعَ)).

وقد فصَّل الشيخُ ـ رحمه اللَّه ـ هذه المسألةَ الهامَّةَ في مكانٍ آخر في ((مجموع الفتاوى)) [18/ 65ـ68] تفصيلاً لم أره لغيرِهِ من العلماءِ، فأرى لزاماً عليَّ أن أُقدِّمَه إلى القُرَّاءِ؛ لما فيه من الفوائدِ والعلمِ، قال بعد أن ذكر قول الإمام أحمدَ المتقدِّمِ:

((وكذلك ما عليه العلماءُ من العملِ بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ليس معناه إثبات الاستحباب بالحديث الذي لا يُحتجُّ به، فإن الاستحباب حكمٌ شرعيٌّ فلا يثبت إلا بدليلٍ شرعيٍّ، ومن خبَّر عن اللَّه أنه يحبُّ عملاً من الأعمالِ من غير دليلٍ شرعيٍّ فقد شَرَعَ من الدين ما لم يأذن به اللَّه، كما لو أَثْبَتَ الإيجابَ أو التحريمَ، ولهذا يختلفُ العلماءُ في الاستحباب كما يختلفون في غيرهِ؛ بل هو أصلُ الدين المشروع.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير