تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[محمد بن عبدالله]ــــــــ[30 - 08 - 08, 07:39 ص]ـ

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

بارك الله فيكم ونفع بكم.

لا يخفى أن ضبط الراوي لحديثه عمومًا، أو لحديثه عن أحد أشياخه= إنما يقاس بالنظر إلى موافقته لأثبات أقرانه أصحاب ذلك الشيخ من عدمها.

وقبيصة لم يكن من المقدَّمين في الثوري -اتفق على ذلك غير واحد-، ولذا فقوَّته في حديثه عنه تقاس بالنظر إلى موافقته ومخالفته للطبقة الأولى من أصحاب سفيان.

وقد نظر في هذا بعض الأئمة من أهل السبر والنظر والتدقيق في أحاديث الرواة ومقارنتها:

فاشتهر في عصر الأئمة أن رواية قبيصة عن سفيان فيها نظر، وذلك ظاهرٌ من قول حنبل بن إسحاق للإمام أحمد: (فما قصة قبيصة في سفيان؟!)، وقال الإمام يعقوب بن شيبة: (تكلموا في روايته عن سفيان خاصة).

وسبر بعض الأئمة حديث قبيصة عن سفيان:

1 - فقال الإمام أحمد -جوابًا لسؤال حنبل السابق-: " كان كثير الغلط "،

2 - وقال ابن معين: " ثقة في كل شيء إلا في حديث سفيان، ليس بذاك القوي "،

3 - وقال النسائي -بعد ذكر حديث لقبيصة عن سفيان-: " هذا خطأ، لا نعلم أحدًا رواه عن سفيان غير قبيصة، وقبيصة كثير الخطأ ".

واتفق الإمامان أحمد وابن معين على أن سبب كثرة غلط قبيصة في حديث سفيان: أنه سمع من قبيصة وهو صغير:

فقال أحمد: " كان صغيرًا لا يضبط "، وقال ابن معين: " فإنه سمع منه وهو صغير "، ووافقهما الحافظ صالح بن محمد الأسدي جزرة، فقال: " تكلموا في سماعه من سفيان ".

وزاد ذلك بيانًا قول أبي داود: (كان قبيصة وأبو عامر وأبو حذيفة لا يحفظون، ثم حفظوا بعد)، فأفاد أبو داود، أن قبيصة كان لا يحفظ حديثه أول أمره -عن سفيان وغيره-، ومفهوم ذلك: أنه إنما كان يكتبه في كتب، ثم عاد إليه -بعدُ-، فحفظه -انظر تفسيرًا من الذهبي لمثل هذه الكلمة في السير (7/ 357) -.

وفي هذا ما لا يخفى من مداخل الخلل في الضبط:

- فقبيصة كان شابًّا يافعًا إذ سمع من الثوري، ومثل هؤلاء لا يستطيعون ضبط تحمُّلهم من المشايخ؛ لقلة خبرتهم ومعرفتهم بأصول هذه المسائل،

- ثم مكوث هذه الكتب عند هذا الصغير فترة ربما طالت؛ مدعاةٌ إلى دخول الخلل إليها،

- هذا إن ثبت أن قبيصة لم يكن يستفيد الحديث من غيره إذا أراد تحمُّله -حيث كان صغيرًا-.

ولذلك كله، فسَّر الإمام أحمد علّة الصغر في حديث قبيصة عن سفيان، قال: (كان صغيرًا لا يضبط)، فالعلة: صغرٌ مع عدم ضبط في التحمُّل.

وعلى هذا جرى بعض الأئمة، فأكثر أبو حاتم وأبو زرعة -مثلاً- من تخطئة قبيصة -كما في علل ابن أبي حاتم، انظر: (1، 35، 917، 1111، 1593، 1641، 1982، 2115، 2223)، وغيرها-،

وكذلك الدارقطني -انظر: العلل (5/ 196، 12/ 218، 400، 13/ 123، 245، 14/ 236، 244، 15/ 114، 232، 257، 319) وغيرها-.

وأما الاستدلال على أن أبا حاتم يقوِّي رواية قبيصة عن الثوري بقوله: (قبيصة أحلى عندي -يعني: من أبي حذيفة-، وهو صدوق، لم أرَ أحدًا من المحدثين يأتي بالحديث على لفظ واحد لا يغيره سوى قبيصة بن عقبة وعلي بن الجعد وأبي نعيم في الثوري) = فغير ظاهر، فأما تقويته قبيصة على أبي حذيفة، فهذه تقوية نسبية، لا تعني التقوية المطلقة، وأما ثبات قبيصة على لفظ واحد، فهو دلالة على ضبطه لما حفظه بعد فترة من تحمُّله، وإنما الكلام في خطئه في ضبط المحفوظ نفسِهِ حين تحمُّله.

ولذلك خطَّأ أبو حاتم قبيصةَ عن الثوري في مواضع -كما سبق-.

وأما إخراج البخاري له، فلا بد أن ينظر فيه؛ هل هو في الشواهد أم المتابعات، ثم يُنظر: هل توبع قبيصة عليه أم لا، وأما أخذ أحاديثه عنه مجردة عن ذلك؛ فلا يفيد حكمًا صحيحًا.

لذلك قال ابن حجر -في مقدمة الفتح-: (من كبار شيوخ البخاري، أخرج عنه أحاديثَ عن سفيان الثوري وافقه عليها غيرُه).

ولا يُظنُّ بذلك أن قبيصة لا يُصيب عن الثوري، أو لا يوافق الثقات عنه، وإنما المراد: بيان أن خطأه عن الثوري كثير، كما حكم به أحمد وابن معين، وطبَّقه تلامذتهما ومن نهج نهجهما.

فالخلاصة: أن الذي يظهر -والله أعلم-: أن رواية قبيصة عن الثوري يُنظر فيها ويُتوقَّف إذا تفرد عنه بحديث، أو خالف، أو أدَّت روايتُهُ إلى جعل الثوري يخالف الثقات.

وبالنسبة لحديث الاحتجام، فقد أخرجه الطبراني -في المعجم الكبير (12/ 35) - من طريق معاوية بن هشام، عن سفيان، عن حماد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، به.

وقال -في الأوسط (2/ 169) -: (تفرد به عن سفيان: معاويةُ بن هشام).

ومعاوية بن هشام وقبيصة متقاربان في الخطأ والوهم عن سفيان.

وقد خطَّأ النسائيُّ قبيصةَ فيه، وسبقه أحمد وابن معين، فنقل ابن الملقن -في البدر المنير (5/ 671) - عن مهنا، قال: سألت أحمد عنه، فقال: " هو خطأ من قِبَل قبيصة "، وسألت يحيى عن قبيصة بن عقبة، فقال: " صدوق، وهذا الحديث خطأ من قِبَله، وأصحاب ابن عباس لا يذكرون (صائمًا) ".

وجزاكم الله خيرًا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير