وعليهُ أقول كما قال بعضهم أنه لا يستدلّ على توثيقه وعدالته بما قاله الحافظ الذهبي في "تذكرة الحافظ": الإمام الأعظم, فقيه العراق .... روى ... الخ. فليسَ له علاقةٌ في تعديله وتوثيقه –وإن ذكره الحافظ في كتابه- إذ –كما سيأتي- جمهور العلماءِ على تضعيفه في الحديثِ!! (أو) ذكر توثيق ابن معين في السير ثم يخلص النتيجةَ!! (أو) ذكره أن أصل التضعيف والخلاف إنما هو ناشئٌ في الشجار بين أهلِ الحديث وأهل الرأي!!.
ثانيا: اتُفقَ أنّ الإمام أبو حنيفة من المقلّين في الروايةِ , وأنَّ تجرحه لا يعادل توثيقه من خلال كلام الأئمة النقّاد, بل قد حكى ابن أبي داود الإجماعَ على تجريحِه.
ثالثاً: اتفق أهل العلم قاطبة –من المتقديمن والمتأخرين- على جلالة علمِ أبي حنيفةَ, وإمامته في الدين, وأن أحد رجال اصحاب المذاهب الأربعة, وأنه صادق القول صادق في نفسه, إماما ورعا زاهدا تقيا, وذلك مما لا ينكره إلا جويهيل أو متفيهق.
رابعاً: إن سبب تجريح أبي حنيفة –كما سيأتي- مفسرٌ, وهو: اضطرابه في الحديث, وعدم إتقانه له, إذ لم يتصدى له, وقلة في حفظه. ولذا بعض أهل الحديث عدلوا في الروايةِ عنهُ.
قال ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (2
149): قال يحيى بن معين: «أصحابنا (أي أهل الحديث) يُفْرِطون في أبي حنيفة وأصحابه».
خامساً: لا يصحّ قولُ أنَّ الإمام أبو حنيفةَ "ليس له مشاركة البتة في الحديث" بل من شيوخه محدثون معروفون كابن المبارك وحماد بن أبي سليمان –وصحبه 18 سنة- وغيرهم مما يدلل على ذلك, وكذلك قول الذهبي أن رحل إلى طلبِ الحديثِ, أما بضاعته المزجاة في الحديث فمّمَا لا يتناطح فيه كبشان ولا يتنازع فيه زوجان.
سادساً: يجب اعترافُ أنًّه كان جماعة من –المحدثين- نقدهم مبنيٌّ على مذهب وطريقة الإمام أبي حنيفةَ, وأنَّ ضعيفَ الحديثِ عنده أولى من القياس والرأي, وبنى على ذلك مذهبه. ومن هؤلاءِ: ابن حبان البستي –مع تساهله المعروف- فقد شدّ عليه وأغلظَ القول, إذ صنّف كتابين عليه. وهذا عند –أهلِ الإنصافِ- غير مقبول, إذ يجبُ علينا حفظُ إمامته ومشاركته في الحديثِ.
وعلى هذا فلا يصحّ مقارنة كلام العلماء الأثبات أنه "إمام أهل الفقه" أو غير ذلك من الألفاظ, على أنّه إمام في الحديث أو عدم ضعفه فيه –على ما اختاره النقاد- فيكفينا قول أنّه: صدوق.
(دَرَجَةُ الإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الحَدِيثِ بِقَولِهِ)
(1) قال ابن أبي حاتم رحمه الله في «الجرح والتعديل»: أنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني كتب إليّ عن أبي عبد الرحمن المقريء قال: كان أبو حنيفة يحدثنا فإذا فرغ من الحديث قال: هذا الذي سمعتم كله ريح وباطل أهـ.
(2) قال الترمذي: سمعت محمود بن غيلان، يقول: سمعت المقرئ، يقول: سمعت أبا حنيفة يقول: «عامة ما أحدثكم خطأ».وروى الخطيب بمثله. قال مقبل الوادعي: وهذا السند صحيح رجاله معروفون.
وهذا موافقٌ لكلام النقاد –كما سيأتي-، واعترافٌ من الإمام بأنه ليس ضابطاً لحديثه, وهذا حَمَله عليه ورعه ومعرفته بقدر نفسه في الحديث، لأنه ليس من فرسان الأسانيد والعلل.
(دَرَجةُ الإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيثِ تَجْرِيحاً)
يجبُ معرفة أن من طعنَ وجرّح أبا حنيفة من أئمة الإسلام وأن منهم من عاصر أبا حنيفة ومنهم من تأخر زمنه عن أبي حنيفة، وطعن المتأخر إما أن يكون اقتدى بأولئك الأئمة المعاصرين لأبي حنيفة، وإما أن يكون قد نظر في أحاديث أبي حنيفة فوجدها مناكير إلا اليسير منها، وإما أن يكون الأمرين (نشر الصحيفة لمقبل1).
(1) قال ابن عدي رحمه الله (7/ 2476): سمعت ابن أبي داود -عبد الله بن سليمان الأشعث- يقول: الوقيعة في أبي حنيفة جماعة من العلماء لأن إمام البصرة أيوب السختياني وقد تكلم فيه، وإمام الكوفة الثوري وقد تكلم فيه، وإمام الحجاز مالك وقد تكلم فيه، وإمام مصر الليث بن سعد وقد تكلم فيه، وإمام الشام الأوزاعي وقد تكلم فيه، وإمام خراسان عبد الله بن المبارك وقد تكلم فيه، فالوقيعة فيه إجماع من العلماء في جميع الآفاق أوكما قال. اهـ
(2) قال ابن أبي حاتم رحمه الله: ثنا حجاج بن حمزة: قال أن عبدان بن عثمان قال سمعت ابن المبارك يقول: كان أبو حنيفة مسكيناً في الحديث. وروي نحوه عن ابن حبان بلفظ: كان في الحديث يتيما.
¥