تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[تقريظ الشيخ المليباري لكتاب تعليل الحديث الغريب بالحديث المشهور]

ـ[أبو إسحاق المالكي]ــــــــ[18 - 06 - 09, 09:44 م]ـ

هذا تقريظ كتبه الشيخ حمزة المليباري لكتاب "تعليل الحديث الغريب بالحديث المشهور"، تأليف الشيخ سعيد المري، وأصل الكتاب رسالة دكتوراه في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية، وقد كان الشيخ المليباري من بين المناقشين للأطروحة .. وسيطبع الكتاب عن قريب إن شاء الله في دار ابن حزم، بيروت، وقد دُفِعَ الكتاب للدار .. فنسأل الله أن يعجل في خروجه، ونسأله أن يجازي مؤلفه خيرا على إفاداته وتحريراته .. ونحن في انتظار مزيد من بحوثه البديعة، ونقداته الدقيقة، وتقعيداته الرفيعة ..

وهذا نص تقريظ الشيخ المليباري:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

فأصل هذا الكتاب رسالة أعدَّها الأخ الدكتور / سعيد المري استكمالا لمتطلبات الحصول على درجة الدكتوراه - في تخصص الحديث الشريف وعلومه في الجامعة الأردنية، عمان،الأردن. وقد سُعِدتُ بكوني أحدَ أعضاءِ لجنة مناقشة الرسالة، التي جرت يوم الأربعاء المؤرخ في 6/ 4/1430هـ، والذي يوافق تاريخ 1/ 4/2009م.

تناول أخونا الدكتور سعيد في هذا الكتاب موضوع (تعليل الحديث الغَرِيبِ بالحديث ِالمشْهُورِ)، وهو موضوع جديد، يَدُلُّ اختيارُه له على مدى تمكُّنِه من علوم الحديث، واطلاعه الواسع لكتب العلل، وفهمه الثاقب لدقائق منهج المحدثين في النقد.

وقد شجَّعت الأخَ الدكتور سعيد المري على طبع الرسالة في أقرب وقت ممكن ليستفيد منها الطلاب والباحثون في علوم الحديث. وذلك لأن الرسالة ممتازة، لما فيها من قُوَّة الطرح، وعُمْق التفكير، وما يَتَّسِمُ به من جِدَّة وأصالة، وإضافة معرفية، ودقة في الأسلوب، وتسلسل في عرض القضايا العلمية، بعيدا عن التكبر والغرور. وقد برهن الأخ من خلال هذا الكتاب على أن علم الحديث، بل كل مصطلح من مصطلحاته، لا يزال يشكِّل مجالا خَصْبًا للباحثين المبْدِعِين على الرُّغْمِ من كثرة التأليف والدراسة فيه.

إن واجبنا نحو الحديث وعلومه كبير جدا، وعلينا أن نعمل على إقناع مجتمع المثقفين بأن منهج المحدثين النقاد منهج متكامل ومستوف لجميع عناصره الضرورية والكمالية، بحيث لن يستطيع أحد أن يستدرك على هذا المنهج بشيء قد أهملوه أو أغفلوه. لكن المشكلة أن المجتمع لم يستوعب محتوى علوم الحديث كما ينبغي، ولذا يسعى بعضهم بفرط حماسه للاستدراك على النقاد بما أخذوه من الغرب من منهج النقد يَزْعم أنَّه جديدٌ وضروريٌّ، وهي في الواقع مما قد اعتنى به المحدثون النقاد في نقد المرويات سندا ومتنا، وهما لا ينفصلان في نقدهم؛ فلا سند بدون متن، ولا متن بدون سند.

وعلى كلٍّ فإن إيجابيات هذا الكتاب متنوعة، ولا يَسَعُ المقامُ لشرحها بالتفصيل، لكني أَوَدُّ أن أُجْمِلَها في نقاطٍ عامَّة، وهي:

1 – أبرز الباحث جوانب منهجية خفية لدقة المحدثين في النقد، من خلال معالجة موضوع: (تعليل الحديث الغَرِيبِ بِالحديث المشْهُورِ).

2 – تصحيحُ خطأٍ شائعٍ بين كثير من الباحثين في تطبيق قاعدة (تَعَدُّدُ الطُّرُقِ يُقَوِّي بعضُها بعضًا).

نعم، تَعَدُّد الطرقِ يُقَوِّي بعضُها بعضًا، وهي قاعدة معروفة ومُطَبَّقَةٌ لدى المحدِّثين. بل يَعدُّون روايةَ الضعيفِ صحيحةً إذا وَافقتْها رواياتُ الثقاتِ.

لكن ليس كلّ ما يراه الباحِثُ متعدِّدَ الطرقِ أو أن الحديث جاء من طُرُقٍ أو له شواهدُ، يصلح لفرض تلك القاعدة عليه، من أجل تصحيح الحديثِ أو تحسينه. ويُعدُّ هذا التعميمُ خطأً فادحًا، لا سِيمَّا عندما يُتَّخذُ من ذلك ذريعة للاعتراض على النقاد.

وذلك لأن التعدد قد يكون صوريًّا لا حَقيقيًّا، وقد أبرز الباحثُ حقيقة ذلك من خلال نماذج واقعية لتعليل الغريب بالمشهور، حتى وإن كان ظاهرُ ذلك يُوهِمُ أن الحديث جاء من طُرُقٍ مُتعدِّدَة؛ مَشْهُورةٍ وغَرِيبةٍ ورواتها ثقات، لكن إذا تأمَّلتَها ودرستَ قرائنها وَجدتَّ أن ذلك ليس مما تعدَّدَت طُرُقُه، بل يُعَدُّ الغريبُ منها وهما أو خطأ.

هذا ولم يُهْمل الباحثُ بيانَ ضوابط ذلك النوع الدقيق من التعليل، بل أبدع في جمعها حين استنبطها من نصوص النقاد وتطبيقاتهم العَمَلِيَّة المتنوِّعَة.

3 – بَرْهَنَ الباحثُ من خلال هذا الكتاب عَلَى أن الشهرة تُعَدُّ من أهمِّ قرائن النقد عند المحدثين، وهي قرينة يمارسها كلُّ ناقدٍ، بل كلُّ عاقلٍ في جميع المجالات المعرفية. ولا يكون المحدِّث ناقدا إلا إذا تمكَّنَ من حفظ الروايات واستحضارها عند الحاجة، مع معرفة أسباب غرابة الحديث وشهرته.

ولا شكَّ أن إيجابيَّاتِ الكتابِ كثيرةٌ ومتنوِّعةٌ تجعله نموذجا رفيعا للبحث العلمي الأكاديمي، وهي تستحق منا كُلَّ التقدير والتشجيع.

فَهَنِيئًا للأخِ الدكتور سعيد المرّي عَلَى هَذِهِ الدِّراسةِ العِلْميَّة القَوِيَّة الْمُبْدِعَة. وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين.

أ. د. حمزة عبد الله المليباري

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير