[قاعدة معارضة خبر الآحاد للحديث المشهور وأثرها في اختلاف الفقهاء]
ـ[ابو مريم الجزائري]ــــــــ[14 - 06 - 09, 01:28 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
[قاعدة معارضة خبر الآحاد للحديث المشهور وأثرها في اختلاف الفقهاء]
مقدمة:
تعتبر السنة النبوية أهم مصدر لأحكام الفقه الإسلامي، ولذلك سعى علماء الإسلام إلى وضع القواعد الأصولية لاستنباط الأحكام منها استنباطا صحيحا سليما، وسأتناول في هذا البحث قاعدة معارضة خبر الآحاد للحديث المشهور، وأثرها في اختلاف الفقهاء، ذلك أن الأخبار الواردة إلينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باعتبار السند تنقسم عند الجمهور إلى قسمين: أخبار متواترة وأخبار آحاد (1) وزاد الحنفية قسما ثالثا وهو الخبر المشهور (2).
تعريف الخبر المتواتر وشروطه وحكمه:
التواتر في اللغة: التتابع، وقيل هو تتابع الأشياء وبينها فجوات وفترات (3) والخبر المتواتر اصطلاحا: عرفه شهاب الدين القرافي (4) فقال: " هو خبر أقوام عن أمر محسوس يستحيل تواطؤهم على الكذب عادة" (5)، ثم استخرج مستحرزات التعريف فقال:" فقولي عن أمر محسوس، احتراز من النظريات فيجب أن يخبروا عن أمر يدرك بإحدى الحواس الخمس، وقولي يستحيل تواطؤهم على الكذب، احتراز من أخبار الآحاد، وقولي عادة احتراز من العقل، فإن العلم التواتري عادي لا عقلي، لأن العقل يجوز الكذب على كل عدد وإن عظم، وإنما هذه الاستحالة عادية" (6).
والتواتر نوعان: تواتر لفظي وهو ما اتفق فيه جميع رواة الحديث في لفظه ومعناه مثل قوله عليه الصلاة والسلام " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" (7).
وتواتر معنوي: وهو أن ينقل جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب وقائع مختلفة تشترك في أمر، فيتواتر ذلك القدر المشترك من أخبارهم، وذلك مثل أحاديث رفع اليدين في الدعاء، فقد ورد عنه عليه الصلاة والسلام نحو مائة حديث، فيها رفع اليدين في الدعاء وذلك في قضايا مختلفة، فكل قضية منها لم تتواتر، ولكن القدر المشترك فيها وهو رفع اليدين عند الدعاء تواتر، باعتبار المجموع (8) ولا يكون الخبر متواترا إلا إذا توافرت فيه الشروط الآتية:
الشرط الاول: أن يكون الرواة عالمين بما أخبروا لا ظانين ولا مجازفين.
الشرط الثاني: أن يعلموا ذلك عن مشاهدة أو سماع، أي أن يخبروا عن أمر محسوس فلا يخبروا عن أمور عقلية.
الشرط الثالث: أن يبلغ عددهم مبلغا يمنع عادة من تواطؤهم على الكذب، واختلفوا في عددهم، والصحيح المعتمد أنه ليس له حد معين بل ما حصل به العلم اليقيني، فهو العدد الكافي.
الشرط الرابع: توافر العدد المعتبر في كافة الطبقات فيروي ذلك العدد عن مثله إلى ان يتصل بالخبر عنه (9) وحكم الخبر المتواتر انه يفيد العلم اليقيني ضرورة بمنزلة العيان بالسمع والبصر، وبذلك فهو قطعي الثبوت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ويكفر جاحده باتفاق العلماء" (10)
تعريف الخبر المشهور وحكمه:
الخبر المشهور اصطلاحا: هو ما كان من الآحاد في الأصل، ثم انتشر في القرن الثاني بعد الصحابة فصار ينقله قوم لا يتوهم تواطؤهم على الكذب (11) وذلك مثل حديث المسح على الخفين، وحديث الرجم (12)
وحكم الحديث المشهور عند الحنفية القائلين به، انه ليس قطعي الثبوت عن الرسول عليه الصلاة والسلام كالحديث المتواتر، وإنما هو يفيد علم طمأنينة وظنا قريبا من اليقين، ويضلل جاحده ولا يكفر، ويفيد به مطلق الكتاب ويخصص به عامه، ويجوز به الزيادة على الكتاب (13) ونسخه (14).
تعريف خبر الآحاد وحكمه:
قيل في تعريف خبر الآحاد اصطلاحا: خبر الواحد ما أفاد الظن ونوقش هذا التعريف بأنه غير مطرد، ولا منعكس (15)، أما انه غير مطرد فلأن القياس مفيد للظن، وليس هو خبر واحد، فقد وجد الحد ولا محدود، وأما انه غير منعكس، فهو أن الواحد إذا اخبر بخبر، ولم يفد الظن، فإنه خبر واحد وإن لم يفد الظن، فقد وجد المحدود ولا حد.
وقيل في تعريفه كذلك: هو ما لم ينته بنفسه إلى حد التواتر (16)، وهذا التعريف الأخير هو اختيار الآمدي (17)، وهو تعريف غير مانع، إذ يشمل الحديث الضعيف الذي لا يحتج به، فهو كذلك لا ينتهي بنفسه إلى حد التواتر، وعليه فيكون تعريف خبر الواحد بأنه الحديث الذي لم ينتهي بنفسه إلى حد التواتر، ولم يقصر عن درجة الاحتجاج به (18).
¥