[الرد على اشتراط المنافاة في رد زيادات الثقات، للشيخ طارق بن عوض الله]
ـ[محمد بن عبدالله]ــــــــ[17 - 02 - 09, 05:11 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ..
فقد سبق لي بحث مسألة اشتراط المنافاة في رد زيادات الثقات في المتون= بحثًا موسَّعًا هنا:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=95219
وخلصت فيه إلى أنه ليس على اشتراطها منهج المتقدمين من أهل الحديث، ولا عملهم وتطبيقاتهم، بل بعض المتأخرين اشترط ذلك تنظيرًا وخالفه أحيانًا تطبيقًا.
وسردت هناك أمثلةً كثيرة ونصوصًا عن أئمة هذا الشأن تبيِّن أن اشتراط المنافاة غير مُرَاعى حال النظر في الزيادات.
ووقفت أمس على كلام نفيس للشيخ طارق بن عوض الله في هذه المسألة، أطال فيه الكلام المؤصل، ونفى أن تكون المنافاة هي القانون الذي يرد الأئمة الزيادة على أساسه؛ إذا اتحد مخرج الرواية وكان الخلاف في الزيادة والنقصان على شيخ واحد في حديث واحد.
وسأسوق هنا كلامه بتمامه، ولي تعليق على موضع واحد من كلام الشيخ سأكتبه في النهاية.
قال -رعاه الله- في حاشيته على علوم الحديث لابن الصلاح ونكت العراقي وابن حجر (3/ 116 - 126) بعد أن أفاض في مقدمةٍ هامة في أن كثرة الزيادات في الأحاديث من الراوي سببٌ لطعن الأئمة فيه:
ثم إن الحافظ ابن حجر -رحمه الله- قد صرح هنا، وكذا في "شرح النخبة" وفي أماكن كثيرة بأن الزيادة من الثقة لا يلزم قبولها في كل موضع، وإنما تقبل أحيانًا وترد أحيانًا بحسب القرائن المحتفة بكل رواية على حدة.
قال الحافظ ابن حجر في "النزهة" (ص: 47):
"واشتهر عن جمع من العلماء القول بقبول الزيادة مطلقًا من غير تفصيل، ولا يتأتى ذلك على طريق المحدثين الذين يشترطون في "الصحيح" أن لا يكون شاذًّا، ثم يفسرون الشذوذ بمخالفة الثقة من هو أوثق منه. والعجب ممن أغفل ذلك منهم مع اعترافه باشتراط انتفاء الشذوذ في حد الحديث الصحيح، وكذا الحسن".
قال: "والمنقول عن أئمة الحديث المتقدمين -كعبدالرحمن بن مهدي، ويحيى القطان، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، والبخاري، وأبي زرعة، وأبي حاتم، والنسائي، والدارقطني وغيرهم-؛ اعتبار الترجيح فيما يتعلق بالزيادة وغيرها، ولا يعرف عن أحدٍ منهم اطلاق قبول الزيادة".
ثم ذكر أن هذا هو مذهب الشافعي أيضًا، وسيأتي كلامه وكلام غيره في هذا قريبًا إن شاء الله.
لكن وقع في كلام ابن حجر في النزهة كلام يحتاج إلى توضيح؛ فإنه -بظاهره- يتعارض مع ما قدمته عنه، وقد أساء البعض فهمه، فحمله على غير مراد الحافظ ابن حجر منه.
قال قبل ما نقلته عنه:
"وزيادة راوي الصحيح والحسن مقبولة، ما لم تقع منافية لرواية من هو أوثق ممن لم يذكر تلك الزيادة:
لأن الزيادة إما أن تكون لا تنافي بينها وبين رواية من لم يذكرها؛ فهذه تقبل مطلقًا؛ لأنها في حكم الحديث المستقل الذي ينفرد به الثقة ولا يرويه عن شيخه غيره.
وإما أن تكون منافية، بحيث يلزم من قبولها رد الرواية الأخرى؛ فهذه التي يقع الترجيح بينها وبين معارضها، فيُقبل الراجح ويرد المرجوح" ا. هـ.
فقد وصف -كما ترى- الزيادة المقبولة بوصفين: الأول: أن يكون من زادها من راوي الصحيح أم الحسن. الثاني: أن لا تقع منافية لرواية من هو أوثق.
فأما ما يتعلق بالوصف الأول؛ فليعلم أنه ليس كل من كان ثقة أو صدوقًا يكون مقبول الزيادة، ولا حتى عند ابن حجر -رحمه الله-، بل لا بد وأن يكون من الحفاظ الذين يحتمل منهم الإتيان بالزيادة، بحيث يكون -لسعة حفظه- عنده ما ليس عند غيره، وأن لا يكون مع ذلك من لم يذكر الزيادة أكثر منه حفظًا أو عددًا.
وسيأتي قريبًا نقل الحافظ ابن حجر ذلك عن جماعة من الحفاظ، مثل الترمذي وابن خزيمة والدارقطني وابن عبدالبر والخطيب، وسيأتي -تعليقًا- كلام الإمام مسلم في معنى ذلك أيضًا.
بل سيأتي قول الحافظ ابن حجر نفسه الدال على ذلك أيضًا، حيث قال: "فحاصل كلام هؤلاء الأئمة: أن الزيادة إنما تقبل ممن يكون حافظًا متقنًا، حيث يستوي مع من زاد عليهم، فإن كانوا أكثر عددًا منه، أو كان فيهم من هو أحفظ منه، أو كان غيرَ حافظٍ ولو كان في الأصل صدوقًا؛ فإن زيادته لا تقبل" ا. هـ.
¥